مات الشيخ محمد المقرمي رحمه الله.. وبموته تطوى صفحة من أنصع صفحات الدعوة في اليمن.. وتفقد الساحة الدعوية عموما صوتا فريدا جمع بين العمق والنقاء والبساطة. قبل ما يزيد عن ثلاثة عقود بدأ الشيخ المقرمي نشاطه الدعوي. في رحلة حية وفاعلة مع القرآن. منطلقا من حقيقة (ولقد يسرنا القرآن للذكر). ولقد كان هذا المنطلق هو السمة البارزة والمهيمنة على مجمل نشاطه الدعوي بمختلف أشكاله وتجلياته حتى النفس الأخير من هذه الرحلة. ولعل مما يميز خطابه الدعوي أنه اجتمع فيه الحركي بالسلفي بالصوفي. وبسعي حثيث لاستنطاق القرآن واستتنباط معانيه ودلالاته في سهولة ويسر بعيد عن التذويق الخطابي وعن البهرجة البلاغية وعن التكلف الأسلوبي الذي صنع بين المتلقي وبين كثير من الدعاة حاجزا متينا من الرسمية والتكلف. ولقد تماهت حياته الشخصية رحمه الله مع هذا اليسر وتلك السهولة إنسانا بسيطا مختلطا بالناس باعثا فيهم روح الأمل والتفاؤل وكان شعاره معهم (ابتسم.. فربك الله). ولأن رسم الابتسامة على شفاه المؤمن في هذا الزمن العابس غاية نبيلة ورسالة سامية فقد أردف خطابه الدعوي الصادق بسعي متواصل في خدمة الناس وفي التخفيف من معاناتهم وفي مد يد العون لكل ذي حاجة ساعيا ما وسعه الجهد في رعاية مدارس تحفيظ القرآن ورعاية الأسر الفقيرة. فكان له بذلك صدق القول والعمل. عرفته مساجد محافظة تعز كما عرفته منصات التواصل الاجتماعي والمجالس الشعبية صوتا شيقا يخفي في تفاصيله كثيرا من شجون الدعوة إلى الله داعيا أبدا إلى إعلاء قيمة الإنسان. يبسط الآيات بين يدي سامعه ثم يستنبط منها بأسلوب سهل ممتنع درر الهداية وجواهر الموعظة فتصل نقية شفافة إلى قلوب الناس خاصتهم وعامتهم. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى تلك المسحة الأدبية التي ميزت خطابه الوعظي. سواء في استدعاء الشواهد الشعرية المناسبة أو في تلك اللمسات التذوقية الجمالية التي يستعين بها في شرح الآيات والأحاديث. مؤكدا أن الخطاب الوعظي بمقدوره أن يكون متعة للقلوب وللعقول معا. وليس أحجارا تُلقى على رؤوس السامعين. رحم الله الشيخ المقرمي. فقد ودعنا في ظرف نحن في أشد الحاجة إليه. وعزاؤنا فيه أن ماتركه من محتوى دعوي فريد سيظل حاضرا فينا. وأن القرآن العظيم الذي عشقه حد الوله لا يشبع منه العلماء، ولا يَخْلَق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه. وسيقيض الله له من عباده الأتقياء الأنقياء من يحمل رسالته العظيمة التي حملها الأنبياء والعلماء في مختلف الآزمنة والعصور.