أثناء مرورك في الشارع قد تلاحظ شخصًا ما يتلفظ بألفاظ نابية ويسب ويشتم غيره، مثلًا لمجرد أنه توقف قليلًا أمامه في خط السير، فتتعجب من ذلك التصرف من شخص يبدو عليه من خلال السيارة الفارهة التي يقودها تدني الأخلاق. وترى شخصًا آخر مثلًا على دراجة نارية قد يتطاول لأتفه سبب على شخص آخر يقود سيارة لأنه تجاوزه. وقد ترى شخصًا آخر يتعرض لحادث سير من شخص آخر كان مخطئًا في حقه، لكنك تراه رصينًا هادئًا في تصرفاته وأخلاقه بشكل يعكس تربيته الحسنة التي جعلته يتعامل بهذا الرقي مع شخص لا يعرفه، على الرغم من أنه قد أصابه بضرر مادي في سيارته. ومثلما تصادف في الشارع أشخاصًا بهذه الأخلاقيات ما بين الحسنة والسيئة، تصادف أكثر منهم في شوارع السوشيال ميديا بشكل يجعل المرء يصاب بالغثيان من المستوى الهابط الذي وصل إليه حال البعض ممن استغلوا هذه المنصات بشكل سيئ، حيث يستخدم كثيرون تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في الإساءة للغير من خلال تحريف الصور وانتحال الشخصيات والأصوات، وحتى وصل الحال ببعضهم إلى الاعتماد التام على الذكاء الاصطناعي للكتابة والتحليل نيابة عنهم! هذه الفوضى التي باتت تعج بها وسائل التواصل الاجتماعي جعلتها عديمة الجدوى، حتى إن كثيرًا من الأدباء والمفكرين تواروا وفضّلوا الصمت وسط عالم افتراضي لا تحكمه قواعد ولا أخلاق. ومهما كان لدى المرء من علم فإنه يظل ناقصًا ما لم يكن مقرونًا بالأخلاق. يقول الشاعر حافظ إبراهيم: "لا تحسبن العلم ينفع وحده ... ما لم يتوج ربه بخلاق" وإذا تلاشت الأخلاق وسط الأمة ضاعت وهنا يقول الشاعر أحمد شوقي: "وإذا أُصيب القوم في أخلاقهم ... فأقم عليهم مأتمًا وعويلا" وهنا يجب على الإنسان أن يتوقف لحظة مع ذاته ويراجعها صعودًا وهبوطًا عن القصور الذي قد اعتراها، ويقيم الاعوجاج ويصلح نفسه ويربطها بالدين القويم الذي حثنا على التحلي بمكارم الأخلاق. قال تعالى: "وقولوا للناس حسنًا"، وقوله جل شأنه: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}. ويقول الله سبحانه وتعالى في وصفه خاتم الأنبياء والمرسلين: "وإنك لعلى خلق عظيم". ولأهمية الأخلاق فقد قال عنها رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم: "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق". أي إتمام مكارم الأخلاق التي كانت سائدة في الجاهلية أيضًا مثل نجدة الملهوف وإكرام الضيف والصدق والأمانة، إلا أنها ساءت لدى بعض الناس في تلك الفترة ما قبل البعثة، فجاء الإسلام ليتممها ويقوم اعوجاجها بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف. وبالنظر إلى أخلاق البعض اليوم، خاصة تلك التي باتت تطفح بها منصات التواصل الاجتماعي وبعض المواقع، نجد أن أخلاق ما قبل البعثة كانت أكثر منهم رقيًا وقيمًا وتأدبًا!