كلما سمعت حديثا عن علامات الساعة طرأ إلى بالي مشاكل الخطاب الوعظي التي تراكمت علله عبر القرون الماضية, وصار خطابا يقودنا إلى الوراء وصاحب الخطاب يظن أن يقودنا إلى الأمام, فهو مسكين يشبه ذلك الرجل الذي رأى سمكة تقفز في الماء فظنها تغرق فأنقذها سريعاً, لقد قتلها!! إن انحراف ذلك الخطاب الوعظي عن المنبع الأصلي له هو أهم سبب في وجود ذلك الكم الهائل من الزبد فيه, والذي بدوره جعل الناس يعيشون حالة زبد بين الأمم, إذ غاب عنهم ما ينفع وتعلقوا بالقش, أما المنبع الصافي فقد ابتعدوا عنه, رغم أن الله سبحانه نبه نبيه أن يكون التذكير به لمن خاف وعيد {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [ق: 45], نعم إنه القرآن منذ سنين وأنا أتابع خطباء المساجد في وعظهم ومحاضراتهم لعلي أجد منهم خطابا يقرّبون فيه الناس من آيات القرآن ويجعلونهم يعيشون معها, إلا أنني أجد أن خطابهم لا يعرف إلا الروايات التي امتلأت بها كتب الحديث, تلك الروايات التي نعرف ظروف نشأتها وكيف كان التعصب بكل أشكاله هو صانعها وكاتبها.. لا أبالغ إن قلت: أني سمعت بعض خطب الجمعة ولم أسمع آية واحدة استشهد بها الخطيب إلا تلك التي في المقدمة، إنهم يبحثون عن الروايات الغريبة اللامعقولة كي يثيروا بها عاطفة الناس, ولا همّ لهم بما يمكن أن تعمله تلك الروايات المصنوعة والموضوعة من تأثير سلبي في حياة الناس. إنهم يجدونها أكثر مباشرة فيما يريدون, أما القرآن فإنهم يرونه يضع القواعد العامة فقط, ولا طاقة لعقولهم أن تستنبط منه وتتأمل فيه ما يناسب عصرهم ومكانهم, إنه الكسل والعجز والاسترخاء, بالإضافة إلى الركون على من قبلنا فيما قالوه وآمنوا به، وإذا كانت الروايات هي أكثر ما استغرق الخطاب الوعظي, فإن روايات علامات الساعة هي الأكثر استهلاكا بين تلك الروايات. لما يجد فيها الخطيب أو الواعظ من تحقق في الواقع.. طبعاً هو لم يسأل نفسه أن من وعظ قبل طيلة القرون الماضية و كانوا يعظون بها ويقولون مثل قوله, ويرون أنها تحققت في زمنهم, وهكذا سيأتي من بعده ليقول ما قال هو, وأن انطباقها في زمنه أكثر!! فما هو وزن تلك الروايات وهل أولى القرآن بها اهتماما وذكر بها المؤمنين؟ ولماذا تكاثرت بذلك العدد في كتب الحديث؟ وهل توافق القرآن أم تخالفه؟ وهل أخبر الله نبيه عن غيب في المستقبل خارج ما أخبر به في كتابه؟ تعالوا لنستقرئ آيات القرآن التي قد تعيننا على إجابة تلك الأسئلة. قد يقول قائل: ما هو الضرر إن تم الاستفادة من تلك الروايات في الترغيب والترهيب خاصة وأن هذا النوع من الخطاب يجوز فيه من التساهل ما لا يجوز في غيره؟ أقول: إن ذلك الكم الهائل من الروايات المصنوعة قد أثقل العقل المسلم وجعلته عقلاً خرافياً ولديه القابلية لأي خرافة, وإن التوقف في قضايا الإيمان عند ما أخبرنا الله به من القضايا يجعلنا ننطلق من أرض صلبة لنفهم ونعي الدور والهدف الذي من أجله خلقنا, وهو عمارة الأرض بالحق والخير والجمال, وذلك الحمل الكبير من قضايا الإيمان يؤثر في سلوكنا ويجعل العقل ممتلئاً بقضايا غير التي طلبت منه، ثم إن قبولها يعني اتهاما في نقص الرسالة بأنها لم تذكره, وأغفلته رغم أهميته عند من يؤمن به.