محمد المقرمي، توفاه الله اليوم ؟. كان خبرًا مفاجئًا، مع أن خبر الموت خبر يومي جاهز، ولا يجب أن يكون مفاجئًا. فالموت فعل وخبر لحظي، أشبه بالأنفاس التي نتنفسها. في كل منعطف لحظي هناك الموت، وفي كل دمعة يكون الموت، وفي كل بسمة يتخفى الموت. الموت حركة تلازم الكون، والكون حركة. المفاجئ هو في صاحب الخبر، محمد المقرمي، صاحب العبرة والتدبر. المقرمي عاش عاشقًا للحياة، صديقًا للموت. قد تبدو صداقة الموت وعشق الحياة متناقضة، ومعنى لا يستقيم عند أصحاب النظرة السطحية. محدودي النظرة والافق، الإنسان خلق بروحه أفقه يّتَجاوز الحواجز المادية، وبنظرة بعيدة مكتملة للموت والحياة وما بينهما من معاني واسئلة وجودية والشيخ المقرمي تنقل بين المعاني محاولا الاجابة بيقين المومن واسلوب الحكيم .
كان الشيخ المقرمي دليلًا واضحا وسهلا يسوق الناس إلى مداخل طرق النجاة ويدفعهم برفق الى بوابات الحكمة التي تفلسف المعاني الوجودية بحقائق مستمدة من القرآن وآياته التي تشبه البحر في عطائه، بحسب إبحار البحار وخبرته في الغوص واستخراج اللألئ والمرجان. وقد كان المقرمي احدهم
لم يأتِ المقرمي بلغة جديدة صعبة ومتقعرة لمبارزة علماء اللغة، لكنه تحدث بلغة البسطاء ومعاني العارفين بالله. بساطة في اللغة وشفافية في الروح والمظهر والحركة اليومية أهم ما ميز الشيخ المقرمي، ليُحدث الناس بلغتهم البسيطة، ويُعلمهم معاني تنبع من القلب وتمر بالعقل.
إن مدرسة الروح والعقل مدرسة نادرة وثمينة، لأنها تتحدث باسم الجميع وبطموح وأمال الجميع، وكأنها تعيد لكل فرد الحديث الذي يجول في خاطره والمعاني المطموسة فينا بأكوام من التراب والغفلة والأطماع الزائلة.
المتتبع لكلمات الشيخ المقرمي سيجد فيه مدرسة لا هي وعظ صرف، ولا حلقة علم منهجي، لا تصوف مرمز بكلمات لاهوتية، ولا نقل جامد وتقليد دون حراك. هو مدرسة للحكمة المبدعة، المستندة على تدبر القرآن وتأمل الكون بآلية الروح والعقل، وكلمات بسيطة تعتبر البساطة قمة العطاء، والتواضع دينًا.
دار حول معاني قريبة لنا، وبسطها بأسلوب سهل ممتنع، فناقش الموت والحياة وحقيقة الخلود، كما ناقش قضايا ومشاعر ودوافع تؤثر في حياة الإنسان: منها الخوف والطمع والحب والكره، وهي الدوافع المحركة للحياة، الصانعة لشخصية الإنسان ونظرته للحياة وما بعدها.
ولم يكن بعيدًا من التودد إلى الله كحبيب وقريب، (ومن وجد الله ما ضره فقد. )".