أنس القباطي تعيش مدينة تعز أزمة خانقة في مياه الشرب، في ظل توقف محطات التنقية، تحت وطأة شُحّ إمدادات المياه منذ بداية فصل الصيف. محطات التنقية توقفت معظم محطات تنقية مياه الشرب داخل مدينة تعز، لعدم توفّر المياه الكافية التي تُجلب إلى المدينة من منطقة الضباب، الواقعة إلى الجنوب الغربي من المدينة، عبر سيارات نقل المياه "الوايتات"، وما تبقّى من محطات تعمل، تظل قدرتها الإنتاجية غير كافية لتغطية احتياجات سكان المدينة المكتظة. ويؤكد مالكو محطات تنقية مياه أن أسعار المياه المرتفعة وعدم انتظام وصول الكميات الكافية، أجبرهم على إغلاقها وتسريح العمال، لأن هامش الربح لم يعد كافيًا لتشغيل المحطات. تراجع المناسيب وأفادت مصادر هيدرولوجية أن منسوب المياه في آبار الضباب المملوكة للأهالي تراجع بشكل مخيف خلال الشهرين الأخيرين، وبعضها أُغلقت بسبب اقترابها من مرحلة النضوب. وعلّلت ذلك بتأخر موسم هطول الأمطار، وتذبذب الهطل، بسبب التغيرات المناخية، وتزايد السحب خلال السنوات الأخيرة. طوابير وايتات وأدى ذلك إلى ظهور طوابير طويلة من "الوايتات" أمام الآبار التي ما تزال تعمل لساعات محدودة، لا تتجاوز الست ساعات يوميًا، ومع هذه الأزمة ارتفعت أسعار المياه إلى أكثر من النصف. ارتفاع الأسعار ويشكو سكان مدينة تعز من ارتفاع أسعار المياه إلى أكثر من 60٪ عن سعرها قبل شهرين، في حين يرجع مالكو الوايتات ارتفاع السعر إلى ارتفاع قيمة المياه من جهة، ومن جهة أخرى انهيار قيمة العملة الوطنية، وما يرافقه من ارتفاع أسعار الوقود والزيوت وقطع الغيار. طوابير بشرية يصطف سكان مدينة تعز في طوابير طويلة أمام خزانات مياه الشرب التي وفّرتها في الحارات جمعيات ومنظمات وشركات، غير أن الأسرة الواحدة لا تحصل على أكثر من 40 لترًا من المياه الصالحة للشرب كل أسبوع. مصدر واحد وتعتمد مدينة تعز في الحصول على المياه، منذ اندلاع الحرب قبل عشر سنوات، على آبار الضباب، بعد أن كانت تحصل عليها من مصادر متعددة قبل الحرب، أبرزها منطقة الحوبان شرق المدينة، إضافة إلى مشروع المياه المتوقّف منذ بداية الحرب. أسباب متعددة تأخر موسم الأمطار هذا العام لم يكن السبب الوحيد لتراجع مناسيب مياه آبار الضباب، وإنما تُعدّ زيادة الاستهلاك خلال السنوات العشر الأخيرة واحدة من الأسباب الرئيسية، بالتزامن مع زيادة السكان، وعودة كثير من النازحين بعد فتح المنفذ الشرقي للمدينة، وتوقف مشروع المياه عن الضخ. رفض رغم الفتح ورغم فتح المنفذ الشرقي للمدينة، إلا أن السلطات المحلية القائمة على شرق المدينة ترفض نقل المياه من آبار الحوبان ونقيل الإبل والزيلعي إلى داخل المدينة، بمبرر التأثير على مناسيب المياه، وحاجة السكان المتزايدة، فضلًا عن حاجة القطاع الصناعي المتوطن شرق المدينة، وهي مبررات يراها كثيرون من سكان المدينة غير منطقية، وتدخل في إطار سياسة الحصار التي يفرضها الحوثيون. مصادر التغذية تؤكد البيانات الهيدرولوجية لدى مؤسسة المياه في تعز أن الآبار التي كانت تغذي مشروع مياه المدينة قبل الحرب موزعة على ضفتي المدينة التي شطرتها الحرب، ووفقًا للبيانات فإن ما يقارب 60٪ من تلك الآبار صارت تحت سيطرة قوات الحوثيين في شمال وشمال شرق المدينة، وما تبقّى من النسبة تحت سيطرة قوات الحكومة المعترف بها دوليًا. تربّح وكشفت الأزمة التي تعيشها مدينة تعز أن الآبار المتواجدة داخل المدينة تُدار بطريقة ربحية من قبل جماعات مسلّحة استولت عليها، وتقوم ببيع المياه للوايتات، ولا يُضخ منها للأحياء غير كميات بسيطة، وأغلبها تُحتكر في مربعات يقيم فيها نافذون. اتفاق برعاية أممية وفي بداية يوليو/تموز الجاري، توسطت الأممالمتحدة في التوصل لاتفاق بين طرفي الصراع بمدينة تعز لإدارة منظومات إمدادات المياه بشكل مشترك عبر خطوط التماس، غير أن التنفيذ بحاجة لوقت، نظرًا للتلف الذي لحق بشبكة إمدادات المياه جراء توقف الصيانة منذ عقد من الزمن، فضلًا عن حاجة الآبار والمضخات للصيانة، وتعرض جزء من الشبكة والخزانات للتخريب، ونهب بعض المعدات والمضخات، والنقص في قطع الغيار، إضافة إلى تهالك الشبكة، خاصة في الأحياء القديمة التي تعود إلى سبعينات وثمانينات القرن الماضي. وقدّرت مصادر عاملة أن عملية الصيانة وإعادة التأهيل للشبكة تحتاج إلى فترة زمنية تتراوح بين (4 – 6) أشهر، في حال توفر المال اللازم لتنفيذ العملية. خلاصة تُجسّد أزمة المياه في مدينة تعز واحدة من أخطر الأزمات الإنسانية التي خلّفتها الحرب المستمرة منذ عقد، إذ يعاني السكان يوميًا من شُحّ المياه وارتفاع تكاليفها وسط غياب الحلول الفاعلة. وعلى الرغم من الجهود الأممية التي أثمرت في إيجاد اتفاق مشترك بين طرفي النزاع، إلا أن التحديات اللوجستية، وتدهور البنية التحتية، تُعد كوابح تعيق سرعة التنفيذ، وسط مخاوف من حصول تداعيات سياسية تُفشل الاتفاق. وحتى تُترجم الاتفاقات إلى خطوات عملية، سيبقى سكان تعز في مواجهة العطش والمعاناة، بانتظار تدخّل جاد يُعيد لهذا الملف أولويته الإنسانية الملحّة. تم نسخ الرابط