أنس القباطي من يتابع الحملة الإعلامية الأخيرة التي يتعرض لها الشيخ سلطان السامعي، سيدرك أنها ليست سوى رد فعل هستيري على مواقفه الواضحة والصريحة تجاه الفساد المستشري في مفاصل الدولة. حملة تم تجييش الذباب الإلكتروني لها، وتحريك بعض الأقلام الصفراء، في محاولة بائسة لتشويه صورة رجل حمل همّ الوطن على كتفيه منذ أكثر من أربعة عقود. لسنا أمام خلاف سياسي طبيعي، ولا أمام جدل وطني حول موقف أو تصريح. ما يحدث هو استهداف منظم لشخصية وطنية، بحجم الفريق سلطان السامعي، بسبب جرأته المعهودة في قول الحقيقة، وتشخيصه للواقع كما هو، بلا تزييف أو رتوش. ما يثير السخرية، أن المهاجمين حاولوا ربط تصريحاته الأخيرة بقضية فلسطين، وكأنهم يبحثون عن غطاء قومي مزيف لتبرير هجومهم. والحقيقة أن ما قاله السامعي بشأن المشهد العربي سبق أن قالته قيادات في المقاومة الفلسطينية. خطاب المتزلفين لم يناقش جوهر ما طرحه السامعي، من قضايا وحقائق دامغة عن الفساد، بل ذهب مباشرة إلى التخوين، والتشكيك، وتوزيع صكوك الوطنية، وكأنها ماركة مسجلة باسم "مطابخ الفساد". هو خطاب هش، يتكئ على الظنون، ويتغافل عن تاريخ الرجل النضالي، ومواقفه التي لم تتغير منذ أواخر الثمانينات. منذ أن خاض السامعي أولى معاركه السياسية عام 1988، وصار عضوا في مجلس الشورى، وهو حاضر في معركة الدفاع عن الدولة، ومواجهة الطغيان والفساد، وفي كل محطة من تاريخ اليمن المعاصر كان له موقف لا يُشترى ولا يُباع. الملفت أن الحملة لم تأتِ من فراغ، بل من بيئة متضخمة بالفساد، تحاول حماية مصالحها بأي ثمن، حتى لو تطلب الأمر تلويث السمعة والتشويه الإعلامي. الإعلام الأصفر الذي يقتات من المال العام، يصوّر النقد وكأنه خيانة، والرأي الحر وكأنه تهديد للأمن القومي. ما يحدث مع السامعي يؤكد أن الفساد حين يُستشعر بالخطر، يتحول إلى وحش بمخالب وأنياب، معتقدا أن جيوش الذباب الالكتروني ملاذ، في حين من يحركها لا يرى في الدولة إلا "مزرعة" خاصة. بين الخطاب الوطني الجامع الذي يتبناه السامعي، والخطاب الضيق الذي تتبناه مطابخ الفساد، يكمن الفارق الحقيقي: الأول يتحدث عن اليمن الكبير، عن السيادة، عن العدالة، عن المشروع العربي الجامع، ويرى في فلسطين قضية الأمة الكبرى. أما الآخر، فلا يتجاوز صدى جدران الشلة والمصلحة، ويموت قبل أن يولد، حتى لو دعمته ملايين الحسابات الوهمية إن ما كشفته الحملة على الفريق سلطان السامعي، هو أن السلطة حين تتحول إلى غطاء للفساد، تنقلب إلى عصابة مغلقة، تتخفى خلف واجهات براقة، وتحكم من خلف ستار المصلحة. وما هو ظاهر منها، ليس أكثر من قفازات ناعمة تخفي أيدٍ فاسدة. السامعي يدافع عنه اسماء، معروفة من اليمن، فيما الفساد لا يدافع عنه الا اعلاميي الدفع المسبق، وذبابهم الالكتروني، وشتان بين الثرى والثريا. ولتدرك جوقة الفساد أن الصوت الحر لا يموت، والتاريخ لا يرحم. وسلطان السامعي لم يكن يوماً عابراً في هذا المشهد. كان -وسيظل- أحد الأصوات التي لا تخشى في الحق لومة لائم.