الحوثي ينعي الغماري ويتوعد "اسرائيل": لن تحققوا مآربكم ومستعدون لجولات النصر    3 لاعبين أفغان يسقطون في غارة جوية    المقالح: الجاسوس الأخطر يتواجد في المستويات القيادية    سان جيرمان يعود من بعيد لينتزع نقطة التعادل من ستراسبورغ    وفاة أكاديمي بارز في جامعة صنعاء    وفاة أكاديمي بارز في جامعة صنعاء    خبير في الطقس يتوقع تحسن في درجات الحرارة وهطول أمطار غزيرة ويحذر من سيول في ثلاث محافظات    انفراجة في أزمة كهرباء عدن    فضيحة اليمنية: ملايين الدولارات لِفمّ الوزير.. وفتات الجياع للشعب!    انفراجة في أزمة كهرباء عدن    ترتيبات لقمة روسية أمريكية في المجر    رحل القائد وبقي النهج    أن تكون من أنصار الله.. واجب ومسؤولية (وليست شعارًا أو وجاهة)    11 شهيدًا بينهم 7 أطفال و3 نساء في مجزرة جديدة للعدو الصهيوني في غزة    ما ذنب المواطن؟!    التحديات الحقيقية في الجنوب.. بين الجغرافيا والمصالح السياسية    موقف القانون الدولي من مطالب الانتقالي الجنوبي لاستعادة الدولة    النائب بشر: أطراف الصراع يمارسون الإرهاب والنهب باسم الشعب والوطن    زوبيميندي جاهز لمواجهة أرسنال أمام فولهام    الذهب يتجاوز 4300 دولار متجها لأفضل مكاسب أسبوعية منذ 17 عاما    قراءة تحليلية لنص "اثقال العيب .. تمردات وحنين" ل"أحمد سيف حاشد"    المعرفة المشاعة وسقوط النخبوية في الفضاء السيبرنطيقي    مصلحة الهجرة والجوازات توضح بشأن أزمة دفاتر الجوازات    مهندس جيولوجي يوضح حقيقة منجم الحامورة في حيفان بتعز    بن لغبر: المجلس الرئاسي في اليمن اداة لإدارة الفوضى المقننة    المداني خلفا للغماري .. بعضاً مما قاله خصمه اللدود عفاش في الحروب الست    سفراء الدول الراعية للعملية السياسية يؤكدون دعمهم للحكومة وجهودها لتنفيذ الإصلاحات    احتل المرتبة 152.. المنتخب الوطني يتقدم مركزين في تصنيف الفيفا    هيئة الكتاب تصدر كتاب "مفهوم الشرق الأوسط الجديد"    الرئيس المشاط يعزّي في وفاة العلامة محسن بن يحيى العنسي    ديمبيلي يدخل خطط الشهري أمام الهلال    الهلال يبقي بونو حتى 2028    رونالدو الأعلى دخلا.. ويامال يدخل قائمة الكبار    عدن تغرق في الظلام مع ارتفاع ساعات انقطاع الكهرباء    اكبر تاجر تجزئة ذهب في اليابان يعلق مبيعاته    منظمة انتصاف : 8 من بين 10 اشخاص في اليمن تحت خط الفقر    «نزيف القيادات» يؤرق الحوثي.. اتهامات لسد ثغرة الإخفاقات    كهرباء عدن تحذر من توقف منظومة التوليد خلال ساعات    فريق صلاح الدين يتوج بطلاً لبطولة "شهداء على طريق القدس"    خبير في الطقس يحذر من كتلة غبار قادمة ويتوقع تراجع موجة البرد مؤقتا    إشهار منصة إرث حضرموت كأول منصة رقمية لتوثيق التراث والتاريخ والثقافة    اغويرو يبدي اعجابه بماركوس راشفورد    وزير الشباب والرياضة المصري يكرم وفد اليمن المشارك في نموذج محاكاة برلمان الشباب العربي    الترب يعزي في استشهاد القائد اللواء محمد الغماري    مصلحة الهجرة تعلن انتهاء أزمة دفاتر الجوازات بعد وصول أولى الدفعات إلى عدن    الدكتور بن حبتور يعزي وزير الدفاع في وفاة عمّه    اليمن انموذجا..أين تذهب أموال المانحين؟    ابتكار قرنية شفافة يقدم حلا لأزمة نقص التبرعات العالمية    معهد امريكي: شواء اللحوم يزيد خطر الاصابة بالسرطان    شبام.. القلب النابض في وادي حضرموت يرفع اليوم صوت الجنوب العربي عالياً    الضالع بعيون ابينية    متى يبدأ شهر رمضان 2026/1447؟    448 مليون ريال إيرادات شباك التذاكر في السعودية    أبناء وبنات الشيباني يصدرون بيان ثاني بشأن تجاوزات ومغالطات اخيهم الشيباني    أبناء وبنات الشيباني يصدرون بيان ثاني بشأن تجاوزات ومغالطات اخيهم الشيباني    ورثة المرحوم " الشيباني " يجددون بيانهم ضد عبد الكريم الشيباني ويتهمونه بالاستيلاء والتضليل ويطالبون بإنصافهم من الجهات الرسمية    الرمان... الفاكهة الأغنى بالفوائد الصحية عصيره يخفض ضغط الدم... وبذوره لها خصائص مضادة للالتهابات    ما فوائد تناول المغنيسيوم وفيتامين «بي-6» معاً؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة تحليلية لنص أحمد سيف حاشد "تأملات تتنهد أسىً وأسئلة!"
نشر في يمنات يوم 14 - 10 - 2025

الدين في أيدي الجهلة يتحول إلى أداة قمع وإقصاء، لا إلى وسيلة هداية
التأمل والسؤال هما جوهر الوجود الإنساني ومفتاح التنوير
المعاناة لا تُولد الاستسلام، بل تولد الوعي والتمرّد

تأملات تتنهد أسىً وأسئلة!
أحمد سيف حاشد
باسم الله والذود عنه، ربما تُزهق روحك، ولا تجد ما تدافع به عن نفسك عند شيخ علم مزعوم، يتعمم جهله، ولا يريد أن يسمع إلا صوته الذابح للرأي الأخر، أو الحقيقة المفترضة من قبل المختلف معه، وبالتالي يفرض عليك كلالة نظره، وقناعته النخرة على حقك في التأمل والتفكير وإعمال العقل؛ وبسبب ذلك يطالك منه سيفٌ وتسفيه، أو يدٌ وغلظة.
ربما تجد جماعة دينية تظن ما تعتقد إنه الحق الذي "لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه"، وما يصدر عنها حقائق ويقين لا مدخل فيه لشك أو ريب، ولا تقبل منك فسحة رأي حتى بمساحة أضيق من إبط، فيما فتاواها التي لا عقل لها ولا رأس تطلق أعنتها لتستبيح دمك؛ أو تصيبك بمكروه أو مقتل أو نكبة أكانت لشعبٍ أو أمة أو إنسان.
ربما تجد سلطة مأسورة في ضيقها الأضيق من مغبن أصبع، تستجر تالفها وتلوك تخلفها، متكئة على ثقافة ماض أشد ظلاماً ورجعية.. سلطة تستسهل قتلك أو دونه، لأنك صاحب رأي أو اجتهاد أو فكرة.. هذا الاستسهال ربما يطال وجودك، أو سلامة جسدك؛ لأنك وضعت سؤالاً على الطاولة يمكنه أن يؤدي إلى عصف ذهني يعيد النظر فيما هو قائم ومعتاد، أو يثير الأسئلة الوجودية التي تعيد صياغة الوعي بجديد في مجتمعك المتشدد، أو المحافظ الذي تعيش فيه.
هناك أسئلةٌ كثيرةٌ منطقيةٌ أو معرفيةٌ، الإعلان عنها أو البحث عن إجابة لها في وسط صدئٍ ومتخلّف، ربما تزُجُّ بك في صدام محتدم مع واقعك القاسي والثقيل، أو تدفع بك إلى المعتقلِ. وربما تُودي بك إلى حتفك الأكيد، وتُصيُّرك قرباناً، وجسرَ عبورٍ لجاهل مشبع بالتعصب والتزمت والرعونة، يبحث عن الجنةِ والغفرانِ بإزهاق روحك الشفيفة..!
هذا وذاك بعض من واقع تاريخي مثقل بكهنوته، وحالٍ مملوءٍ بالتحريم والتجريم يثقل كواهلنا، لمجرد أنك ترفض المرور باستكانة، بل تؤثر الإمعان والاستغراق في التأمل، وتطلق فيما تراه قولاً، أو تعلن فكرة لا تناسب مجتمعاً، مغيب وعيه، أو سلطة تمكر بالدين، أو جماعة تكهونت، أو احتكرت الدين وتفسير نصوصه، لتصرفه إلى مسالكها لخدمة مصالحها، أو شيخ جاهل يدعي أنه الحق كله.
* * *
الفلكي والفيلسوف والشاعر الفارسي عمر الخيام صاحب الرباعيات، والمتوفى سنة 1124م كانت حيرته وشكه سبباً في أن يتم اتهامه بالزندقة والإلحاد؛ حالما قال:
"لقد أُكرهت على نزول ساحة الحياة
فما زادتني زيارتها إلا حَيْرة …
وها أنا ذا أهجرها مكرهاً
فليتني أعلم القصد من رحيلي، ومن مقدمي وإقامتي!!"
ويبدو أن الشاعر إيليا أبو ماضي في قصيدة (الطلاسم) قد استل فكرة مطلع قصيدته من تلك الرباعية.. لقد أثار هذا الشاعر تساؤلات وجودية كثيرة من خلال قصيدته التي بلغ طولها 340 بيتاً تقريباً أستهلّها ب :
"جِئتُ لا أَعلَمُ مِن أَين وَلَكِنّي أَتَيتُ
وَلَقَد أَبصَرتُ قُدّامي طَريقاً فَمَشَيتُ
وَسَأَبقى ماشِياً إِن شِئتُ هَذا أَم أَبَيتُ
كَيفَ جِئتُ؟ كَيفَ أَبصَرتُ طَريقي؟
لَستُ أَدري"
ثم تتتابع الأسئلة بتدفق وتتناسل وتتكاثر، وتغلق كل مقطوعة منها بجواب لستُ أدري غير أن هذا الإغلاق كان ممتلئاً بالحيرة التي تثير كثيراً من الجاذبية المعرفية، وتستحث مزيداً من الفضول والمحاولة للاستكشاف وسبر الأغوار، وتلقي مزيداً من الأسئلة الولاّدة للمعرفة.. الأسئلة الفاتحة لثقوب الشك التي تتسع، ومطارقها التي تطرق أبواب الوعي، وتظل تلح عليه لتُفتح الأبواب والمغالق.
إيليا أبو ماضي الذي عنون قصيدته ب "الطلاسم" تحكي وتسأل الغموض الداعي للكشف، والمبهم الذي يستدعي الإزاحة، واللغز الباحث عن الحل.. يسأل البحر، والدير، والمقابر.. ويثير الأسئلة الفلسفية القلقة التي ربما تحاول إعادة الوعي المستلب، وإزاحة بعض اليقينيات الزائفة.
"لست أدري" كان يلقيها في نهاية المقطع كمن يسأل النجاة، بعد تمرير السؤال الجريء الذي يريد الإجابة عليه.. يبدو السؤال كتلك الحجارة التي يرميها إلى قاع البركة الهادئة ليرى ماذا يوجد في قاعها، ثم يحاول الكشف والاستبصار وإثارة الاسئلة المعرفية حولها.
يوغل إيليا أبو ماضي في الأسئلة، فيسألُ نفسه أسئلة فلسفية سبق أن أثارها فلاسفة ومتكلمون قبل عهود وقرون مضت، هل يكون الإنسان في هذا الوجود مخيراً أم مسيّرا؟ غير أنه قدم هذه الإشكالية في قالب شعري لافت:
« هل أنا حر طليقٌ أم أسيرٌ في قيود؟
هل أنا قائد نفسي في حياتي أم مقود
أتمنى أنني أدري ولكن…
لستُ أدري»
وفي مقطع آخر من القصيدة يقول:
أَنتَ يا بَحرُ أَسيرٌ آهِ ما أَعظَمَ أَسرَك
أَنتَ مِثلي أَيُّها الجَبّارُ لا تَملِكُ أَمرَك
أَشبَهَت حالُكَ حالي وَحَكى عُذرِيَ عُذرَك
فَمَتى أَنجو مِنَ الأَسر وَتَنجو؟
لَستُ أَدري
وفي مقطع ثالث من نفس القصيدة يقول:
"فيكَ مِثلي أَيُّها الجَبّارُ أَصدافٌ وَرَملُ
إِنَّما أَنتَ بِلا ظِل وَلي في الأَرضِ ظِلُّ
إِنَّما أَنتَ بِلا عَقل وَلي يا بَحرُ عَقلُ
فَلِماذا يا تُرى أَمضي وَتَبقى؟
لَستُ أَدري"
كيف جئنا؟! سؤال يثير كثيراً من الردود والجدل وسط التفكير فيه, عالي المخاطر والكلفة التي قد تنتزع منك حياتك، أو تنال كثيراً من حريتك.. عليك بالمجازفة وركب صهوة المخاطر إن كنت تعيش في وسط حالِك وقاتم، أو مجتمع متشدد ومتعصب.. سؤالٌ يمكنه أنْ يُكلِّفك كل حياتك، وربما أكثر منها إن أطلقت لعقلك العنان بحثاً عن جوابٍ يحلِّق بعيداً عمّا اعتاده أو درج عليه المجتمع الذي تعيش فيه.
* * *
و"الشيء بالشيء يذكر".. من غير ليه" أغنية عامية مصرية، كان يفترض أن يغنيها الفنان عبدالحليم حافظ في عيد الربيع عام 1977، ولكن عبدالحليم رحل قبل الربيع، فيما أدرك الموت كاتب القصيدة مرسي جميل عزيز بعد ثلاث سنوات، فغنّاها الموسيقار محمد عبد الوهاب عام 1989م بعد اعتزال وانقطاع.
"من غير ليه" أو ما تسمى رائعة الشاعر مرسي جميل عزيز، وقيل عنها "القصيدة الوحيدة الأخطر في مشواره الفني الطويل"، والتي ذهبت به إلي المحكمة بعد وفاته بحوالي عشر سنين، فيما تم استدعاء الفنان محمد عبدالوهاب للمحاكمة بسببها، بعد أن ذهب أحد المتنطعين إلى لجنة الفتوى بالأزهر طالبا الرأي الشرعي فيها، والتي تقول في مطلعها:
جايين الدنيا ما نعرف ليه
ولا رايحين فين ولا عايزين ايه
مشاوير مرسومه لخطاوينا
نمشيها في غربة ليالينا
يوم تفرحنا ويوم تجرحنا
واحنا ولا احنا عارفين ليه
وزي ما جينا جينا
ومش بايدينا جينا
وقد احتشد كثير من المفكرين والمتنورين والمحامين المصريين للانتصار لها وللدفاع عنها وعن أصحابها لينتهي الأمر بانتصار الشعر والفن على أرباب الظلام وأسياد الجهل، وانتزعوا البراءة الكاملة لها ولكاتبها ومغنيها.
* * *
ولا متسع هنا لبسط المقام لمن أُعدم أو أُحرق أو قُتل أو سُجن بحكم ظالم أو بغير حكم، ومن أُحرقت كتبه ومؤلفاته، أو اتهم بالكفر والإلحاد والزندقة، لمجرد أنه حاول اقتحام الممنوع، وإطلاق العنان لعقله وتفكيره وتأملاته، أو تنوير مجتمعه. وهؤلاء ما أكثرهم وما أكثر تضحياتهم.. عالم ينوءُ بأثقاله ألم وحسرة.
قراءة تحليلية للنص باستخدام تطبيقا الذكاء الاصطناعي DeepSeek & chat GPT
ينتمي نص «تأملات تتنهد أسىً وأسئلة» ل"أحمد سيف حاشد" المنشور في كتابه "فضاء لا يتسع لطائر" إلى الأدب التأملي الفلسفي الذي يجمع بين الوعي الإنساني والجرأة الفكرية.
الفكرة الأساسية
وتدور الفكرة الأساسية للنص حول صراع العقل والحرية مع السلطات المتسلطة، سواء كانت دينية أو سياسية أو اجتماعية. وفيه يصور الكاتب المعاناة التي يعيشها المفكر أو صاحب السؤال عندما يُواجه ب القمع والتكفير والإقصاء لمجرد طرحه أسئلة وجودية أو فكرية.
رؤية نقدية
ويطرح الكاتب فيه رؤية نقدية جريئة لواقعٍ عربي مثقلٍ بالجهل والتعصب، حيث تتعرض حرية الفكر والتعبير للتجريم والتكفير، وتُكبت الأسئلة خوفاً من الخروج عن المألوف.
ويمثل النص صرخة مثقف حرّ في وجه أنظمة دينية وسياسية واجتماعية تحاصر العقل وتغتال السؤال، ويؤكد من خلاله الكاتب أن التأمل والسؤال هما جوهر الوجود الإنساني ومفتاح التنوير.
المقاومة بالكلمة
والنص يمثل شكل من اشكال المقاومة الثقافية، حيث يحاول الكاتب كسر التابوهات والمحرمات الفكرية، ويدعو إلى إعمال العقل وحرية الضمير.
الفكرة العامة
تتمحور فكرة النص حول الدفاع عن حق الإنسان في التفكير والتساؤل، ومواجهة السلطات التي تقمع هذا الحق باسم الدين أو العرف أو السياسة.
ويرى الكاتب أن طرح الأسئلة الوجودية في مجتمع متخلف قد يقود إلى السجن أو القتل، ومع ذلك يصر على أن السؤال هو طريق الوعي والتحرر.
يقول الكاتب: «ربما تُزهق روحك، ولا تجد ما تدافع به عن نفسك عند شيخ علم مزعوم… أو سلطة تستسهل قتلك لأنك صاحب رأي أو فكرة.»
وهنا يصف الكاتب المأساة التي يعيشها المفكر الحر في مجتمعات تستمد شرعيتها من الجهل والخوف، لا من العقل والمعرفة.
المحاور الفكرية الرئيسية
أ. نقد السلطة الدينية
ينتقد الكاتب التحجر الديني وتقديس المشايخ الذين يحتكرون الحقيقة:
«شيخ علم مزعوم، يتعمم جهله، ولا يريد أن يسمع إلا صوته الذابح للرأي الآخر.»
هذا المشهد يصور كيف يتحول الدين في أيدي الجهلة إلى أداة قمع وإقصاء، لا إلى وسيلة هداية.
ب. نقد السلطة السياسية
يتناول الكاتب السلطة السياسية بوصفها استمراراً للجهل والظلم:
«سلطة مأسورة في ضيقها الأضيق من مغبن أصبع… تستسهل قتلك لأنك صاحب رأي.»
وهنا يُبرز كيف يوظَّف الدين والسياسة لخنق الكلمة، وتحويل الفكر الحر إلى تهمة.
ج. الدفاع عن الفكر والسؤال
يُقدِّم الكاتب السؤال كقيمة إنسانية وفلسفية عليا، بوصفه المدخل إلى الوعي:
«أسئلةٌ كثيرةٌ منطقيةٌ أو معرفيةٌ، الإعلان عنها… ربما تزُجُّ بك في صدام محتدم مع واقعك القاسي.»
والسؤال في النص ليس مجرد فعل لغوي، بل هو ثورة فكرية وموقف وجودي في مواجهة العدم.
التناص الأدبي والفكري
يستعين الكاتب بمجموعة من النماذج التاريخية والفكرية لتأكيد فكرته:
عمر الخيام: رمز الشك الفلسفي المشروع.
إيليا أبو ماضي: في قصيدته الطلاسم التي تتوالد فيها الأسئلة وتنتهي بجملة "لست أدري"، مما يعبر عن الحيرة الوجودية الجميلة.
مرسي جميل عزيز ومحمد عبدالوهاب: مثالان لحرية الفن التي واجهت التكفير في العصر الحديث.
ومن خلال هذا التناص، يربط الكاتب بين تاريخ القمع الفكري في الماضي والحاضر، ليقول إن كل من سأل أو شكّ أو فكر، دفع الثمن.
الأسلوب واللغة
أسلوب الكاتب يجمع بين البلاغة الأدبية والصرامة الفكرية:
فالجمل الطويلة والمشحونة بالعاطفة، توحي بالأنين والتوجع:
«تتنهّد الأسئلة، ويُزهق الفكر في مهبّ العمى والجهل.»
ويستخدم تكرار "ربما" ليعبّر عن الحيرة والاحتمال، مما يمنح النص إيقاعاً تأملياً متردداً بين الخوف والأمل.
التراكيب مشحونة بالاستعارات والتشابيه القوية، مثل:
«تلوك تخلفها»، «ثقوب الشك التي تتسع»، «كواهلنا مثقلة بالتحريم والتجريم».
هذه الصور تخلق جوّاً من الظلمة العقلية والمأساة الإنسانية التي يحاول الكاتب أن يبددها بنور الفكر.
البنية العاطفية والفكرية
يتأرجح النص بين الحزن والتمرد.
الأسى في العنوان يتحول إلى قوة احتجاجية داخل النص؛ فالمعاناة لا تُولد الاستسلام، بل الوعي والتمرّد.
كل فقرة تنتهي بإحساس الفقد والخيبة، لكنها في الوقت ذاته تفتح أفقاً جديداً للفكر.
الثنائيات الضدية
النص يقوم على جدلية فكرية بين ثنائيات متصارعة:(الحرية، القيد)، (العقل، النقل)، (السؤال، الفتوى)، (النور، الظلام)، (الحياة، الموت).
وهذه الجدلية تمثل رؤية الكاتب للعالم: حيث لا معنى للوجود الإنساني دون حركة فكرية تكسر الصمت، حتى لو كلّف ذلك الإنسان حياته.
الحزن المشبع بالايمان
يختتم أحمد سيف حاشد نصه بصوتٍ حزين، لكنه مشبع بالإيمان بقدرة السؤال على إشعال الوعي.
ويؤكد أن التاريخ مليء بالمفكرين الذين أُحرقوا وسُجنوا وقُتلوا لأنهم فكروا، لكنه في الوقت ذاته يرى أن أفكارهم لم تمت، بل أصبحت مشاعل تنير دروب الحرية والعقل.
إذن، النص ليس مجرد رثاء للواقع، بل بيان فلسفي في الدفاع عن حرية الفكر، ورفضٌ قاطع لتأليه الجهل والسلطة.
إنه نداءٌ إنساني عميق يدعو إلى إعادة الاعتبار للعقل، وإلى تحويل الحيرة إلى معرفة، والسؤال إلى طريق خلاص.
قوة النص
تكمن قوة النص في جرأته في مواجهة القيود الفكرية، وعمقه الفلسفي الذي يلامس أسئلة الإنسان الأساسية، وأسلوبه الأدبي المؤثر الذي يجمع بين النقد والشفافية.
السياق الشخصي للكاتب
هذه الكتابات لا تنفصل عن شخصية أحمد سيف حاشد كقاضٍ وناشط حقوقي، حيث يُعرف بمواقفه المناهضة للاستبداد ودفاعه عن الحريات العامة، كما يتضح من كتاباته الأخرى التي ينتقد فيها الفساد البرلماني والسلطوي.
خلاصة
وفي المجمل فإن فكرة النص عميقة، وجودية، نقدية.
والأسلوب بلاغي، تأملي، مشحون بالعاطفة
والرمزية قوية وذات بعد فلسفي
والرسالة هي الدفاع عن حرية الفكر وحق التساؤل
والقيمة الأدبية عالية؛ تنتمي إلى أدب التنوير والوعي العربي الحديث.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.