كيف أسست ثورة 14 أكتوبر مسار الوحدة الوطنية؟    من يصرخ "أنا جائع" يُختطف.. الحوثي يحول الفقر إلى أداة قمع    وحدة النضال اليمني.. السلاح الذي أسقط الإمامة في الشمال والاحتلال في الجنوب    البيان السياسي الصادر عن المهرجان الجماهيري الحاشد في مدينة شبام بمناسبة الذكرى ال62 لثورة 14 أكتوبر المجيدة    تغاريد حرة.. بات المجهول هو المستقبل    الشيخ الجفري: الجنوب يبادل "إمارات الخير" الوفاء بالوفاء    إنفانتينو: الفيفا سيدعم إعادة بناء البنية التحتية للعبة في غزة    مسيران راجلان وتطبيق قتالي ووقفة مسلحة في جحانة بصنعاء    تفقد أعمال تأهيل وصيانة شوارع مدينة المحويت    "التحكيم الرياضي" تُبقي على استبعاد "الإسرائيليين" من بطولة الجمباز بإندونيسيا    حماس تبلغ الوسطاء تسليم 4 جثث للعدو الليلة    التحولات الدولية الكبرى.. والجنوب أمام اختبار الوعي والسيادة    انقذوا حياة الصحفي صادق حمامة    انطلاق المهرجان الجماهيري في شبام احتفالا بذكرى أكتوبر(صور)    انسحاب فرسان بلحارث من سباق مأرب بعد فضيحة التحيز وسلطة مأرب تتراجع (صور)    شبام.. القلب النابض في وادي حضرموت يرفع اليوم صوت الجنوب العربي عالياً    صحيفة.. التفاتة إماراتية لوضع التعليم الصعب في اليمن    اجتماع بوزارة الاقتصاد يناقش مشاريع تعديل عددا من القوانين    الأرصاد ينبه من الأجواء الباردة على مرتفعات ست محافظات    اشتباكات بين عناصر مسلّحة وأخرى من حماس في غزة    سائق باص يهدم أسرة.. والضحية أب لم يمت بطلقة رصاص بل بطلقة من الخوف    صندوق النقد يرفع توقعاته للنمو في السعودية إلى 4% في 2025    ما سر حضور رئيس فيفا قمة شرم الشيخ؟    دراسة: الإقلاع عن التدخين في مرحلة متقدمة يبطئ تدهور الذاكرة    مساء اليوم.. المنتخب الوطني الأول يواجه بروناي في إياب الدور النهائي للتصفيات الآسيوية    قفزة تاريخية للفضة إلى 50 دولارًا والذهب يواصل الارتفاع    يونيسيف:81٪ من مرافق المياه في غزة خارج الخدمة    الاتحاد التركي لكرة القدم يعلن تحويل إيراداته إلى قطاع غزة    عصر اليوم .. نصر عدن يواجه الجلاء في افتتاح مباريات كأس العاصمة عدن    الضالع بعيون ابينية    شوفت ايه في الصور؟.. ما تراه أولا يكشف الكثير عن شخصيتك (اكتشف نفسك)    مواقع فلسطينية: المقاومة تعدم عملاء في غزة    ضبط سائق باص ارتكب حادث دهس وفرّ من موقع الحادث    متى يبدأ شهر رمضان 2026/1447؟    مبادرة بيئية بمديرية الصومعة في البيضاء    448 مليون ريال إيرادات شباك التذاكر في السعودية    ألمانيا تعبر مطب إيرلندا الشمالية.. وسلوفاكيا تكسب لوكسمبورج    ناشئات السعودية يبدأن التصفيات الآسيوية بخسارة    الطريق إلى رجاح    قراءة تحليلية لنص أحمد سيف حاشد "تأملات تتنهد أسىً وأسئلة!"    النائب بشر يوجّه رسالة لأطراف الصراع في اليمن    بعد إضراب شامل للمخابز.. تعديل سعر الخبز في مدينة تعز    لحج.. مياه الأمطار تفاقم معاناة النازحين بمديرية طور الباحة    الهجرة الدولية: انهيار الوضع الاقتصادي يجبر اكثر من 200 يمني على النزوح خلال أسبوع    انتقالي وادي وصحراء حضرموت يطلع على التحضيرات النهائية للجنة الحشد النسوية    مرض الفشل الكلوي (23)    القلم الذي لا ينقل أنين الوطن لا يصلح للكتابة    أزمات متكررة ومعاناة لا تنتهي    موقف فاضح للمرتزقة في مصر    قراءة تحليلية لنص "جنية تعشق أبي" ل"أحمد سيف حاشد"    أبناء وبنات الشيباني يصدرون بيان ثاني بشأن تجاوزات ومغالطات اخيهم الشيباني    عدن.. صرف مرتب واحد بالاستدانة ومصير مجهول لمرتبين رغم وعود الحكومة بالجدولة    أبناء وبنات الشيباني يصدرون بيان ثاني بشأن تجاوزات ومغالطات اخيهم الشيباني    ورثة المرحوم " الشيباني " يجددون بيانهم ضد عبد الكريم الشيباني ويتهمونه بالاستيلاء والتضليل ويطالبون بإنصافهم من الجهات الرسمية    طريقة مبتكرة تعتمد على جزيئات الذهب لعلاج أمراض خطيرة!    قطاع الحج والعمرة يعلن بدء تطبيق اشتراطات اللياقة الطبية وفق التعليمات الصحية السعودية لموسم حج 1447ه    الرمان... الفاكهة الأغنى بالفوائد الصحية عصيره يخفض ضغط الدم... وبذوره لها خصائص مضادة للالتهابات    ما فوائد تناول المغنيسيوم وفيتامين «بي-6» معاً؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سائق باص يهدم أسرة.. والضحية أب لم يمت بطلقة رصاص بل بطلقة من الخوف
نشر في يمنات يوم 14 - 10 - 2025


حمدي ردمان
في شارعٍ من شوارع العاصمة صنعاء، وبين بيوت حي السنينة، كانت هناك رحلة يومية اعتيادية، تكررت مئات المرات.
طالبة بريئة تثق بالطريق وبالناس، تستقل الباص لتذهب إلى مدرستها، ويقوم سائق الباص بواجبه الإنساني والأخلاقي في نقلها بأمان.
لكن هذا المشهد اليومي البريء كان على موعدٍ مع تحوّلٍ مأساوي، ليصبح مجرد حلقة في سلسلة من الانهيارات التي تضرب نسيج المجتمع في ظل غياب الرادع الأمني.
لم تكن الطالبة تعلم أن رحلتها الصباحية ستتحول إلى كابوسٍ مزّق قلبها وقلب أسرتها إلى الأبد.
فبدلًا من أن يُوصلها إلى باب المدرسة، انحرف بها السائق عن الطريق، متجهًا إلى شارع الخمسين، متجاهلًا صرخاتها المتلاحقة المرتعبة التي كانت تخترق صمت السيارة:
"توقّف! توقّف! إلى أين تذهب بي؟"
كانت صرخات استغاثةٍ تُلخّص كل معاني الخوف والضياع، لكنها اصطدمت بقلبٍ من حجر، ونوايا خبيثةٍ حاولت النيل من براءة طفلة.
في لحظةٍ تعبّر عن شجاعةٍ نادرة، وبدافع غريزة البقاء، اتخذت الفتاة القرار الأصعب:
القفز من الباص المتحرك.
لقد فضّلت مواجهة المجهول والمخاطر الجسدية على مواجهة المصير المجهول الذي كان ينتظرها.
هرعت بسرعة البرق إلى أحد البيوت القريبة، تلاحقها أنفاس الخوف، لتُلقي بنفسها على أهل البيت طالبة النجاة:
"إن صاحب الباص يريد اختطافي!"
كانت كلماتها بمثابة صفّارة إنذارٍ لضميرٍ إنساني لم يمت بعد.
تمكنت الفتاة من الاتصال بأبيها، ذلك الأب الذي يعمل محاسبًا في إحدى شركات الأدوية، رجل الأرقام والحسابات الدقيقة، الذي لم تكن حساباته لتشمل يومًا أن يصبح حساب الخوف والرعب هو المسيطر على حياته.
وصل الخبر إلى الأب كالصاعقة، فتحوّل من رجلٍ هادئٍ إلى إنسانٍ تعصف به عاصفةٌ من الهستيريا والألم.
لطم رأسه تعبيرًا عن العجز والغضب، وانطلق بسيارته كالسهم نحو مكان ابنته، لا يهمه شيء في تلك اللحظة سوى أن يضمها إلى صدره ويؤكد أنها بأمان.
وصل الأب، التقط ابنته المرتعبة، وشاهد بنفسه القبض على ذلك السائق المجرم الذي سُجن حيث ينتمي.
لكن العدالة التي أُنجزت في حق الابنة، كانت قد تأخرت في حق الأب.
فالصدمة العنيفة التي عاشها، والخوف المميت الذي تسلل إلى قلبه، أطلقا العنان لغدة الكظر لترفع سكر الدم إلى مستويات قياسية وعنيفة.
نُقل الأب إلى مستشفى العلوم والتكنولوجيا نتيجة ارتفاع السكر، ولكن الأوان كان قد فات.
لقد فارق الحياة، لا بطلقة رصاص، ولا بجرحٍ نازف، بل بطلقةٍ من الخوف أطلقتها جريمةٌ وحشية، وصدقتها فجوةٌ أمنية واسعة.
السؤال الذي يصرخ في وجه المدينة: أين الأمن في صنعاء؟
هذه الجريمة ليست مجرد حادثة فردية معزولة، إنها نموذج صارخ لسؤال الأمن المعلّق في فضاء العاصمة.
كيف يجرؤ سائق على اختطاف طفلةٍ في وضح النهار؟
أين الرقابة على وسائل النقل العامة؟
أين وجود رجال الأمن في الشوارع الذين من المفترض أن يكونوا ردعًا لأمثال هؤلاء المجرمين؟
لقد مات أبٌ بريء لأن الخوف قتله.
وها هي ابنته الآن، لم تعد فقط ضحية لمحاولة اختطاف، بل أصبحت أيضًا ضحية لموت أبيها الذي لم تتحمل روحه الطيبة هول الصدمة.
حالُها منهار، تحمل في قلبها الطفولي جرحًا لن يندمل، وشعورًا بالذنب لا ذنب لها فيه، وحياةً محطمة بسبب جريمةٍ شائنة.
ما حدث في السنينة هو جرس إنذارٍ يدق بقوة، إنه نداء استغاثة لكل الضمائر الحيّة، ولكل المسؤولين، بأن الأمن ليس ترفًا، بل هو أساس الحياة.
عندما يغيب الأمن، لا يموت الناس بالرصاص فقط، بل يموتون بالخوف، وتموت معهم الثقة، ويموت المجتمع.
الراحة في جنّات الخلد لأبٍ دفع حياته ثمنًا لحب ابنته،
والعزاء لفتاةٍ ستظل تحمل في عينيها بريق اليوم الذي فقدت فيه براءة طفولتها وأمان أبيها في آنٍ واحد.
أما المجرم فقد سُجن، لكن السجن الأكبر هو سجن الضمير، وسجن سؤالٍ لن يجيب عليه أحد:
إلى متى سيظل المواطن في صنعاء يدفع ضريبة غياب الأمن بدمه وأعصابه وقلبه؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.