لا تكاد تمر يوم بل قل ساعة دون ضجيج وصراخ واحزان من قصف هنا او تفجير هناك وكل حدث ينسينا ما قبله وكل جريمة اشد بشاعة من سابقتها ويظل الضحايا السابقين هم الأكثر تضرراً من تتابع الكوارث لأن المجتمع ينسى المآسي القديمة وينشغل بالجديدة ويترك الضحايا يوجهون نكباتهم ومصيرهم البائس لوحدهم ومن هؤلاء اولئك الناجون من مجزرة مدينة العمال بالمخاء التي دمر القصف جميع مباني مدينتهم السكنية ولم يعد أي مبنى صالح للسكن.. لقد بكى وتباكى الناس والاعلام على ما حل بتلك المدينة من دمار مفزع وقتل باذخ بالوحشية ولكنه بعد ذلك لم يسأل أحد ماذا حل بالجرحى وأين ذهب الناجون من المجزرة الذين حسب ما استطعنا الوصول اليه من معلومات أنهم صاروا مشردين ونازحين ولاجئين في الأرياف في أحسن الأحوال. • مهيب الزيلعي تبريرات وادانات فقط مذبحة المخاء لم تحض بتسليط الأضوء على بعدها الانساني وانحصرت التغطيات الاعلامية حول جمع التبريرات والادانات ضد هذا الطرف او ذاك فماذا حل بالمخاء مساء يوم الجمعة 24 يوليو؟ ذلك المساء الذي لا يشبهه إلا ما يُحكى عن يوم القيامة وأهوالها.. الأرض تهتز وتتفجر والمباني تنسف وتتحول إلى قاع صفصف والاجساد تتناثر إلى اشلاء والهلع يكسو الوجوه والاحجار والاشجار والدخان يغطي المكان والدماء تتدافع كالشلالات وطائرات القتل لا تتوقف عن عزف اناشيد الموتى في سماء المدينة.. وفي أرضها يحكى كل قدم عن آية من آيات البكاء الدامي فهنا تسمع شخصاً يئن من تحت الركام ولا تستطيع انقاذه لانك جريح أو أنك هارب تريد النجاة قبل وصول الصاروخ التالي وهناك ترى طفل ينادي بأعلى صوته بابا ماما لكنهما لا يجيبانه لانهما قد لفظا انفاسهما الاخيرة وفي مشهد آخر ترى أماً تصرخ وتذرع المكان وجراحها تنزف لكنها لا تبالي فهي تبحث عن ابنائها الذين دكت الصواريخ منزلهم على رؤوسهم وفي نهاية المطاف تسقط هي شهيدة لأن صاروخ آخر قصف ما تبقى من المدينة.. الدموع تتساقط بغزارة من كل المدامع واصوات الانفجارات تتوالى واحداً تلو الآخر والاسر تتدفق من داخل ال25 منزلاً في حشر سبق يوم الحشر ربما بمئات أو آلاف القرون. نيزان توفيق أحد ساكني هذا المجمع السكني يتحدث عن 18 دقيقة عائمة بالأهوال فيقول: هنا كانت «مدينتي»..!! الزمان :الجمعة24 يوليو الساعة العاشرة ونصف ليلاً . المكان :المجمع السكني التابع لموظفي محطة المخا البخارية تم بنائه عام 1985م من قبل شركة انسالدوا الايطالية. الحدث :قصف طيران التحالف للمجمع السكني.. كيف حدث الحدث؟! سقط الصاروخ الاول وسط المجمع السكني مسببا لهب رهيب على اثرة سقط عشرات القتلى والجرحى من الشباب والنساء والاطفال فيما سارع اخرين للإسعاف..لم يهرب ولم يخاف احد ليس لانهم لا يخافون بل لانهم لم يستوعبوا بعد ما الذي يحدث وما سبب ما حدث ؟ ثلاث دقائق فقط ليدوي صوت طائرة على علو منخفض ولم يهرب احد ،كان الجميع يعرف انها طائرة التحالف تحوم كعادتها لكن المختلف هذه المرة انها تحلق بعلو منخفض جداً.. ثم رمت بصاروخها الثاني كان صوته واضحا وكان الانفجار رهيب و في نفس مكان سقوط الصاروخ الاول وسط المجمع السكني.. فسقط المسعفون من شباب السكن بين جريح وقتيل واختلطت دمائهم واشلائهم بين قتلى وجرحى الصاروخ الاول ..حاول من بقى حيا واخرين غادوا بيوتهم بعد تحطم الزجاجات والنوافذ وتطاير الشظايا الهروب باتجاه البحر ،للأسف معظمهم لم يستطيع النجاة ،فبعد اقل من دقيقتين عادت الطائرة واسقطت صاروخها الثالث وفي نفس المكان وسط المجمع السكني ما ادى الى تهدم اكثر من 50 منزلاً تهدمت معظمها فوق ساكنيها.. مرة اخرى وبعد اقل من دقيقتين حلقت الطائرة وبعلو منخفض ايضا واسقطت صاروخها الرابع وسط المجمع السكني ايضا لكن هذا المرة استهدفت بصورة مباشرة «بوفية» لبيع البسكويت والعصائر والشبس ودمرتها تماما وقتلت صاحبها وعشرات ممن كان داخلها او بجانبها، الكارثة ان خلف البوفية حديقة كانت مليئة بالنساء والاطفال متنفسهم الوحيد سقط كل من كان فيها شهيداً شهيداً شهيداً.. بعض النساء والاطفال ضاعت جثثهم وبعظهم تم تجميع ما تبقى منهم ودفنهم جماعياً.. بعد اقل من دقيقتين عاد صوت الطائرة وأسقطت صاروخها الخامس فوق منزل في طرف المجمع السكني ما ادى الي تحطم و تهشيم خمسين منزلاً ربع منازل المجمع السكني وقتل وجرح كل من كان في الشارع او احد تلك المنازل يسارع للمغادرة باتجاه البحر .. ثم الصاروخ السادس مستهدفاً طرف اخر من المجمع السكني ادى الي تهشيم 50 منزلاً آخر ثم الصاروخ السابع استهدف الربع الاخير من المجمع السكني ما ادى الي تحطيم اكثر من 50 منزلاً من ضمنها منزلي، وسقط اثر ذلك العشرات بين قتيل وجريح .. انطلقت الطائرة وصوتها يملا السماء واطلقت صاروخها الثامن على برج اتصالات يبعد عن المجمع السكني 400 متر كان بجانب البرج كمب سكني يتبع محطة الكهرباء ، تحطم معظمة وسقط فيه اكثر من 3 شهداء .. دقائق واسقطت صاروخها التاسع الاخير داخل كمب اخر يبعد عن السكن 900 متر يسكنه معلمين يعملون في مدرسة المجمع السكني وغادرت طائرات التحالف سماء المخا مخلفة اكثر من 90 شهيد واكثر من 300 جريح وتدمير كلي للمجمع السكني..لبعض الفلاسفة .. استمر القصف 18دقيقة ، اقل من دقيقتين كانت الفترة الزمنية الفاصلة بين اطلاق الصواريخ التسعة ..لم يكن القصف عشوائي او انها كانت مجرد صواريخ ارض ارض او كاتيوشا اطلقت بعشوائية كما يزعم التحالف الذكي جدا بل كان القصف على درجة عالية من الدقة والاحترافية والخبث ايضاً.. تم ضرب وسط السكن بأربعة صواريخ لتدمير اكبر عدد ممكن من المنازل البالغة 200 منزل وقتل اكبر عدد من السكان ثم تم تقسيم المجمع السكني الى اربعة ارباع ،50 منزل في كل ربع تم استهدافها بصاروخ بصورة دقيقة وسريعة وخبيثة جدا جدا.. الموت ضيف ثقيل في كل المنازل - نيزان توفيق، وكل سكان هذا المجمع زارهم الموت وخطف حبيب أو أحبة لهم ولم تنجو عائلة من فقدان قريب بل ان هناك أسر تعرضت لإبادة كاملة ووريت تحت التراب من هؤلاء صادق عبد الله صالح الذي استشهد هو وجميع افراد اسرته الستة وقريباً منهم تعرضت اسرة المهندس بجاش عبد القادر للابادة، ولم ينجو سوى بجاش الذي تعرض لاصابات بالغة وظل لعدة أيام لا يعرف أن أفراد اسرته لم يعد أحداً منهم على قيد الحياة وكذلك أسرة المهندس أحمد الاوصابي فقد اسشهد أربعة من أبنائه ولم تنجو سوى أمهم التي تعرضت لاصابات خطيرة ونقلت الى المستشفى وفقدت القدرة على الكلام..الجريمة التي ستظل حافرة جروحها في ذاكرة سكان الحي مهما مدهم الله من عمر ليس لها تفسير ولا مبرر سوى أن الجاني يستلذ القتل ويرغب في قتل أكبر عدد ممكن فبحسب رواية الشهود أن هناك بعض الأسر هربت في اتجاه البحر لكن الطائرات قصفتهم وهم في الشاطئ وبشكل مباشر ومما يذكره أبناء المدينة أن الطائرات استمرت تحلق فوق المجمع لمدة ثلاثة أيام قبل القصف وأيضاً في عصر يوم القصف وهذا يؤكد أن الجريمة لم تكن مجرد خطأ بل استهداف مقصود لأبناء المجمع لاغراض يعرفها الجناة جيداً رغم أن الكثير من أبناء المجمع كانوا مؤيدين لعبدربه هادي ولا يوجد في المجمع أي مسلح من أنصار الله. ذكريات من قعر الجحيم مواجع كثيرة ودامية وذكريات من قعر الجحيم كيف لا والقصف استهدف حديقة أطفال ولم يترك طفلاً على قيد الحياة كان قبل ثوان من القصف يملأ الحي والحديقة فرحاً وسعادة.. كيف لا والقصف استهدف منازل لا يسكنها إلاّ نساء وأطفال وعمال مدنيين .. كيف سينسى الضحايا وأسرهم هذه الجريمة وهي التي حولتهم الى مشردين وجرحى ومعاقين بعضهم مبتور الأطراف وبعضهم فقدوا نعمة البصر والبعض فقد القدرة على الحديث، وبعضهم مازال في حالة غيبوبة الى الآن وهناك الكثير من الحالات في حاجة الى العلاج في الخارج لكن هذا يعد ضرباً من المستحيل في ظل هذه الظروف والحصار البري والبحري والجوي المفروض على اليمن.. انتهى الحديث الاعلامي عن جريمة المخاء مع أول جريمة تلتها لكن مأساة الضحايا مازالت مستمرة وبعضهم يفترشون الأرصفة في مدينة الحديدة ولا أحد يسأل عنهم لأنه لا يوجد من يسأل في هذا الزمن.