بحلول اليوم، الاثنين، يكون قد مضى 10 أيام على المجزرة التي ارتكبها العدوان السعودي بقصفه للمدينة السكنية الخاصة بمهندسي وموظفي محطة كهرباء المخا، مخلفاً 75 شهيداً و94 جريحاً، بينهم نساء وأطفال، ورغم ذلك إلا أن رائحة جثث الضحايا لا زالت تتصاعد من المكان وتأبى التلاشي والاختفاء، فيما تنتشر بقايا أشلاء الشهداء هنا وهناك تناشد الهلال الأحمر ومنظمات الإغاثة الطبية، وقبل ذلك وزارة الصحة العامة والسكان، التكرم برفعها ودفنها إلى جوار أصحابها. "اليمن اليوم" زارت المدينة المنكوبة، الخميس الماضي، بعد ثمانية أيام من تعرضها للقصف الغاشم بنحو 15 صاروخاً، وضمن وفد إعلامي حقوقي نظمه الائتلاف المدني لرصد جرائم العدوان السعودي على اليمن، بدعم من اللجنة الثورية العليا لجماعة أنصار الله "الحوثيين"، وذلك للاطلاع على المذبحة التي تسبب بها العدوان والالتقاء بالجرحى وشهود العيان. هذه المدينة التي كانت قبل أيام نابضة بالحياة والحب والتآلف، أصبحت اليوم- وبفضل الأشقاء في بلاد الحرمين- عبارة مدينة أشباح تتصاعد رائحة الموت منها وتحوم الغربان في سمائها، بعد أن هجرها الجميع إما شهداء في المقابر أو جرحى في المستشفيات، ومن حالفه الحظ ولم يصب بأذى أخذ ما تبقى من أمتعته وغادر إلى غير رجعة، خوفاً من البقاء في المدينة لقمة سائغة لطائرات العدو السعودي. منازل دُمرت بشكل كامل، وأخرى تهشمت جدرانها وتحولت إلى هياكل عظمية.. كتب الأطفال وألعابهم تناثرت في كل مكان، وخوذ وملابس المهندسين تمزقت، وساعة صغيرة توقفت عقاربها عند الزمن الذي تم فيه القصف، الساعة "9 و37 دقيقة مساء الجمعة" 24 يوليو 2015م"، لتكون جميعها شاهدة على بشاعة وزمان ومكان المجزرة السعودية. فظاعة القصف البداية كانت مع المهندس علي أحمد الرعيني، مدير عام محطة كهرباء المخا، الذي التقيناه في مستشفى الأمل العربي بمدينة الحديدة وهو يتلقى العلاج جراء إصابته خلال العدوان السعودي على المحطة، حيث قال: "كنا متواجدين في المنزل، ما بين الساعة التاسعة والنصف والعاشرة مساءً، وسمعنا صوت الصاروخ الأول فخرجت من المنزل للاطلاع على الأضرار والاطمئنان على ولدي الذي كان متواجداً مع عدد من الشباب في الاستراحة، حيث يتجمع الشباب عادة، وهو المكان الذي تم ضربه بأول صاروخ". ويضيف مدير محطة الكهرباء: "أثناء خروجي من المنزل فوجئنا بالصاروخ الثاني فانبطحنا على الأرض لتفادي الإصابات، ثم انطلقنا إلى مكان الاستراحة ووجدنا الجثث متناثرة ومترامية على بوابة الاستراحة، والناس في حالة هلع، كلٌّ يبحث عن قريبه أو صديقه، والبعض حاول أن يخرج من بيته ويفر باتجاه الساحل خوفاً من القصف، خصوصاً وأن الطائرة كانت لازالت تحلق فوق المكان وصوتها نسمعه بكل وضوح". وخلال القصف على استراحة المجمع أصيب نجل المهندس الرعيني بشظايا وجروح بليغة تم على إثرها إسعافه إلى مستشفى الأمل التخصصي بالحديدة وإدخاله العناية المركزة. ويصف المهندس علي الرعيني المشهد بالقول: "للأسف الشديد النكبة كانت أكثر مما يتصورها الإنسان العدو أكثر من الصديق، المنازل دمرت بشكل رهيب، فرغم أن البناء من حيث التماسك والجودة أفضل بكثير من أية بنايات حديثة أخرى، لكنه بفعل الضربة تعرض للتهشم، والأسطح سقطت، والواجهات تبعثرت، وهذا يدل على فظاعة القصف، مشيراً إلى أن السكن الداخلي للموظفين تعرض للقصف بنحو 7 غارات، وغارتين على الكمب التابع للمحطة الكهربائية خارج السكن. وأوضح مدير محطة كهرباء المخا أن المجمع السكني الذي يتكون من 200 وحدة سكنية كان يتواجد فيه عدد من الأسر التي نزحت إلى أقربائها داخل السكن، بالإضافة إلى أسر أخرى نزلت إلى السكن لزيارة أقربائها وقضاء إجازة العيد، كونه منشأة مدنية لا أحد يتوقع أن يتم قصفها أو استهدافها. وأكد المهندس الرعيني خلو المجمع السكني من أية أسلحة أو مسلحين كما زعم البعض لتبرير عملية القصف، منوهاً بأن المحطة الكهربائية خسرت كادراً فنياً مؤهلاً جراء القصف، فيما نزح من نجا من الغارات الجوية، وتحولت المدينة إلى مدينة أشباح لا يسكنها أحد. استهداف مباشر للمدنيين لاعب المنتخب الوطني، تامر حنش، لم يسلم أيضاً من العدوان السعودي، حيث أصيب بكسور في الإضلاع جراء القصف على المجمع السكني الخاص بمهندسي وفنيي محطة كهرباء المخا، مساء الجمعة الموافق "24 يوليو المنصرم"، فيما نجا بقية أفراد أسرته من صواريخ آل سعود لتمكنهم من مغادرة المنزل سريعاً والخروج إلى الساحل. اللاعب تامر حنش التقته "اليمن اليوم" وهو على سرير المرض بمستشفى الأمل التخصصي بمدينة الحديدة، وسألته عن سبب تواجده في المجمع السكني بالمخا فيما هو يسكن العاصمة صنعاء؟ فقال: "نزلت وبقية أفراد الأسرة لزيارة أختي المقيمة مع زوجها في المدينة السكنية بالمخا وإمضاء بعض من أيام إجازة العيد معها، وهذا ما اعتدنا عليه في كل عيد منذ زواجها". وشرح الكابتن حنش لحظات القصف على المجمع بالقول: "كنا مجتمعين في المنزل مع سقوط أول صاروخ على المجمع، ومباشرة قمت بإخراج الأسرة من المنزل إلى الساحل، لأننا نعرف من خلال تواجدنا في العاصمة صنعاء التي تعرضت للقصف العنيف طوال أيام العدوان أن الطائرات عندما تقصف مكاناً يعودون بعد دقائق لقصف نفس المكان". ويواصل لاعب المنتخب الوطني قائلاً: "لذلك، في أول صاروخ أخذت أفراد الأسرة وأخرجتهم إلى الساحل، حتى أنني تحاشيت نقلهم بالسيارة "نوع باص" حتى لا يتم قصفها، رغم أنها بعد ذلك احترقت مع سيارات الآخرين جراء القصف". ويصف اللاعب تامر حنش جريمة القصف بالقول: "كان استهدافاً مباشراً للمدنيين وبدون أي سبب، لأنه لم يكن هناك أي مظاهر مسلحة سواء داخل المجمع أو خارجه.. أنا جلست هناك أسبوعاً كاملاً لم أشاهد فيه حتى مسلحاً واحداً، ولم نجد أي مظاهر مسلحة في المنطقة بأكملها، السكن معروف بأنه سكن لموظفي المحطة البخارية وليس ثكنة عسكرية أو مخزن سلاح". واختتم الكابتن تامر حنش حديثه بتوجيه رسالة للشعب اليمني والجيش واللجان الشعبية بأن يستمروا في صمودهم ومقاومتهم للعدوان وأدواته، ويثقوا بأن النصر حليفهم. تصوير جوي للمدينة أحمد قائد علي البعداني، مهندس ميكانيكي بمحطة كهرباء المخا، التقيناه أيضاً خلال جولتنا لزيارة جرحى القصف السعودي على سكن مهندسي وموظفي المحطة البخارية، حيث أشار البعداني إلى أنه يعمل في المحطة ويسكن المدينة منذ عام 1986م، موضحاً بأنه كان لحظة سقوط أول صاروخ يقف في بوابة المنزل وأصيب بكسور وجروح مختلفة، فيما نجا بقية أفراد الأسرة من أي إصابة. وأكد المهندس البعداني أن الوضع في المدينة السكنية كان طبيعياً، حتى قبل القصف بثلاثة أيام، حيث كانت طائرة بدون طيار تحوم في سماء المدينة بشكل متواصل وعلى مستوى منخفض، لدرجة أنه وعدد من الأهالي شاهدوها بأعينهم وسمعوا صوتها بوضوح، وفي هذا يقول البعداني: "كانت الطائرة بدون طيار ترصد الموقع وتصور المنطقة بدقة، فتهبط وترتفع وتحوم حول المدينة بشكل متواصل طوال الأيام الثلاثة التي سبقت جريمة القصف". إصابة أسرة بأكملها ونحن نتجول في ركام المباني داخل المدينة التقينا بالمهندس محمد ناجي، أحد الناجين من جريمة القصف عدا بعض الشظايا التي اخترقت أماكن متفرقة من جسده وتم إخراجها وعلاجه منها. يقول المهندس محمد ناجي الذي كان يجمع ما تبقى من أغراض منزله المدمر لنقلها إلى مكان آخر: "كانت أول ضربة بحدود الساعة العاشرة إلا ربع مساء ونحن وسط المنزل، وبعد ذلك حاولنا الهرب وكان الضرب يتكرر ما بين كل دقيقتين أو ثلاث، البعض هربوا من منازلهم وماتوا جراء إصابتهم بشظايا الصواريخ، والبعض ماتوا نتيجة سقوط الصبِّيات عليهم، ومن حالفهم الحظ ونجوا من الموت تجدهم فقدوا أحد أعضاء أجسادهم". وحول حضوره إلى المدينة بعد أسبوع من الجريمة يقول المهندس محمد ناجي: "الناس كلهم تشردوا.. أيش باقي معاهم يجلسوا هنا.. وأنا جئت اليوم كي آخذ ما تبقى من الأثاث ونقله إلى المكان الذي انتقلنا فيه أنا وجميع أفراد أسرتي الذين أصيبوا جميعهم بشظايا". ويعمل المهندس محمد ناجي في المحطة البخارية منذ 30 عاماً، ويسكن المدينة الخاصة بموظفي المحطة منذ ذلك التاريخ. 83 إصابة مدير عام مستشفى الأمل التخصصي بمدينة الحديدة، الدكتور عبدالمجيد اليوسفي، أكد أن المستشفى استقبل منذ أول يوم لجريمة قصف المجمع السكني بالمخا وخلال الأيام السبعة التي تلت الجريمة 83 حالة إصابة جراء القصف، من بينها حالة وصلت متوفية وحالة أخرى توفيت في المستشفى، مشيراً إلى أن الأطفال يشكلون نسبة 20 بالمائة من إجمالي الإصابات التي تنوعت بين بليغة جداً، نزيف دماغي، كسور في الجمجمة، نزيف في الصدر من الشظايا، أعضاء مبتورة، وغيرها من الإصابات التي أغلبها سببه تعرض المصاب للشظايا. وأكد الدكتور اليوسفي أن المستشفى لم يحدث من قبل أن استقبل مثل هذه الحالات، سواء من حيث العدد أو من حيث نوع الإصابات. واستعرض مدير عام مستشفى الأمل التخصصي الوضع الصحي لمصاب يدعى محمد نجيب مقبل عبدالودود، أحد أخطر الحالات التي وصلت إلى المستشفى ليلة الجريمة، قائلاً: "هذا الشاب كانت إصابته تهتكاً في كل أجزاء الفم وتهتكاً كاملاً في اللسان، إضافة إلى كسور الفك والجويف الفموي، فتم إجراء عملية إسعافية له، وهي فتح الرقبة، حيث تم إنقاذه من الموت اختناقاً وأيضاً إصلاح الشفاه واللسان، وكانت هذه أكثر حالة عامل الوقت فيها مهم وأول حالة بدأنا بها". إبادة جماعية من جهته المحامي علي العاصمي، منسق الائتلاف المدني لرصد جرائم العدوان السعودي على اليمن، أكد أن مجزرة المخا تعتبر جريمة حرب متكاملة الأطراف، الغرض منها استهداف كوادر المحطة البخارية من مهندسين وفنيين وموظفين مشهود لهم بالكفاءة والخبرة والتخصص والنجاح، حتى أن الكثير منهم تتم الاستعانة بهم من قبل المحطات الأخرى لإصلاح الأعطال، والبعض منهم تم طلبهم من محطات في دول خارجية لتدريب كوادرها على أيدي هؤلاء المهندسين اليمنيين. وأشار المحامي العاصمي إلى أنه من خلال استطلاع مكان الجريمة يتضح مدى بشاعة الجريمة وكمية الصواريخ التي قصفت المنازل والتي تعبر عن مدى الحقد والغلّ الذي يحمله العدو لليمن أرضاً وإنساناً، ويتضح أن حلف العدوان بقيادة السعودية أرادوا ليس فقط استهداف كوادر وكفاءات المحطة البخارية فقط، وإنما أسرهم وأولادهم الذين أصبح بعضهم حاملاً لخبرات والده وكفاءته، ويعملون ضمن كوادر المحطة. وكان العدوان السعودي قد نفذ 9 غارات جوية على المجمع السكني لمهندسي وموظفي محطة المخا البخارية وقصفها ب18 صاروخاً، منها 3 صواريخ على المحطة و15 صاروخاً على المجمع السكني. وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بحقوق الإنسان، في تقرير لها بعد الحادثة، إن القصف السعودي على المخا يعتبر جريمة حرب، مؤكدة بأن القصف استهدف منشآت مدنية خالية من أي تواجد مسلح، ومطالبة بالتحقيق في هذه الجريمة. وفاة وإصابة 6 من أعضاء الوفد أثناء العودة من مدينة المخا وبمجرد دخول الباص الذي يقل وفد الإعلاميين والحقوقيين، مديرية الخوخة التابعة لمحافظة الحديدة، تعرض أحد إطارات الباص لإطلاق نار من قبل مجهولين مما تسبب في انفجاره دون وقوع إصابات بين أعضاء الوفد.. وفي منطقة الحيمة على خط صنعاءالحديدة بمحافظة صنعاء تعرض الباص لحادث تصادم مع قاطرة محملة بالأسماك نتج عنه وفاة سائق الباص صالح الريمي، والزميل في الإعلام الحربي مجد الدين القطاع، وإصابة 4 آخرين.