ندى فتاة ريفية عاشت في إحدى مديريات محافظة تعز ، لم تتلق التعليم ولم تعرف للمدارس طريقا، منذ طفولتها وهي ترعى الأغنام حتى بلغت الربيع الثامن عشر من عمرها فوقعت في حب شاب من القرية المجاورة لقريتها حتى صار رعي الأغنام الذي كانت تضجر منه مهنتها المحببة إلى قلبها، لأن شبابة حميد- الراعي- الذي صار حبه يسكن قلبها هي سلواها وفضاء خيالها الذي صار لا يعرف حدودا غير تخوم حبها الذي لا تتسع له الوهاد والسهول الفسيحة، هامت ندى بحميد وهام بحبها وتماهى الجسدان النحيلان في بوتقة الحب الذي لا يعرف المستحيل، تقدم حميد لطلب يد ندى من والدها لكن والدها تذرع بأن بينه وبين أخيه قد سرى كلام واتفاق، لكن ندى كانت وفية لحبها وصارحت والدها بمكنونات قلبها وقالت أمامه بالحرف لأ أقبل بغير حميد زوجا لي، وكان هذا الكلام بمقاييس ذلك الزمان نشازا ومعيبا في بيئة ريفية لا تعرف فيها البنت من الحياة غير السمع والطاعة للرجل فكيف إن كان أبيها.. ظل ندى تردد موقفها مع كل من يسألها من النساء أو تحاول نصيحتها، وفي نفس الوقت لا زالت تلتقي بحبيها الذي يذيب قلبها بمواويله التي تعزفها شبابته بين ردهات الجبل وبالقرب من الغيل الذي يسقط إلى أسفل المنحدر سيلا جارفا ينحت في الصخر كأنه الحب الذي يعتمل لوعة في قلبي الحبيبين، صار موقف ندى على كل لسان في قريتها والقرى المجاورة حتى نصح بعض عقلاء القرية والدها وعمها بتزوج ندى من حميد تفاديا للفضيحة التي ستحل على الجميع كما يعدونها إذا ما قررت ندى أن تهرب مع حميد، وافق والد ندى على تزويجها من حميد على مضض ولم يشارك في مراسم زفافها أحد من أقاربها، لكن ندى لم تأبه لكل ذلك لأنها تحس بلذة انتصارها لحبها الذي ملك كل جوانحها، أمضت ندى مع زوجها ثلاثة أشهر في حب ووئام، لكن أحداث المناطق الوسطى التي أندلعت في ثمانينات القرن المنصرم حرمت ندى من حبيبها الذي تم استقطابه لصفوف الجبهة، فكان لا يعود إلى منزله إلا خلسة في بعض الليالي بعد أن يمضي النهار متخفيا في كهوف الجبال، تصبرت ندى وفاء لحبها لكنها بدأت تضيق ذرعا مما وصلت إليه خاصة بعد صارت حاملاً في شهرها السابع فهي لا ترى وجه زوجها إلا ليلا على ضوء قمقام وقد بدأ السهر يرسم آثاره في محياه وصارت لحيته كثة وشعره غير مرتب، فكانت تسأل نفسها هل هذا هو حميد الذي أحببت. وضعت ندى مولودها البكر ولم تجد أحداً إلى جوارها سوى (زعفران) تلك العجوز التي تساعد نساء القرية جميعن عند الولادة، مر شهر وحميد لم يأت لرؤية ولده الذي ينتظر من والده أن يسميه كما هي تقاليد القرية في المولود البكر الذكر، ليظهر حميد ذات ليلة في غسق ليلة شتاء باردة ولم يستقر به المقام سوى سويعات مطلقا اسما ثوريا على ابنه، وعندما قرر الرحيل قبل أن يولد الفجر كان يتجه إلى الباب وقدماه تعودان به إلى الخلف فأدركت ندى أن شيئا ما يدور بخلد زوجها فقامت إليه وتوسلت أن يفصح لها ما يجيش في خاطره فصارحها بأنه ذاهب لمهمة قد تجعله يختفي عن الأنظار فترة طويلة وأوصاها بابنها، أدركت ندى أن زوجها قد يذهب بدون عودة وفي الصباح حزمت أغراضها وولت وجهها شطر قرية أهلها خوفا من عمل ما قد يعمله زوجها فتتعرض وولدها لمكروه، لكن أهلها الذين كانوا في الصف المعادي لإتجاه زوجها وبدلا من استقبالها وبخوها على زوج أختارته ولم يراع حبها، ظلت بينهم اسبوعا لكنها أدركت أن النار أهون مما هي فيه فقد صارت تدعى من الجميع بزوجة المخرب، قررت أن تحزم أمتعتها وترحل ولكن هذه المرة إلى حيث لا توجد الحروب ولا يدعى الناس بالمخربين، وبعد يومين كاملتين أستقرت ندى ورضيعها في إحدى ضواحي مدينة تعز عند خالتها التي تركت القرية بعد مقتل زوجها، وهناك أستقرت في غرفة صغيرة من الصفيح إلى جوار خالتها وبدأتا بتربية الماعز والأغنام وممارسة بعض الحرف ولم تمر سوى ثلاثة أعوام حتى جمعن من المال ما يكفي لشراء أرضية ومن ثم البناء عليها بعد عامين أخرين، وصار ابن ندى الذي لا يعرف من أبوه سوى اسمه طالبا في المدرسة والذي كانت والدته تهتم بتربيته وتعليمه فهو سلواها الوحيد في حياتها التي لم تعرف الاستقرار والسكينة وبعد أن أكمل الثانوية بمجموع أهله للحصول على بعثة خارج الوطن ليعود بعد أربعة أعوام حاملاً درجة البكالوريوس في الهندسة المدنية، عاد إلى منزل والدته التي فجعت بوفاة خالتها وفي نفس الوقت فجعت بزوجها الذي أهتدى إلى مكانها لكنه كان قد صار معاق حرب.