يتأهّب ملعب سان ماميس، حصن ومعقل فريق أتلتيك بلباو العريق، للخروج نهائياً من الخدمة و"الإحالة للتقاعد" بعد أن استمرّ لقرابة المئة عام في استضافة مباريات الفريق الباسكي الشهير، الذي طالما حقّق على أرض هذا الملعب العديد من الإنجازات والانتصارات مكّنته بالتأكيد من أن يكون أحد ثلاثة فرق فقط في الليغا لم تهبط منذ أن انطلقت المسابقة للمرّة الأولى عام 1929. يعدّ سان ماميس هو أقدم ملاعب الدوري الإسباني، واستضاف طوال تاريخه ومسيرة بلباو في البطولة أكثر من 58 فريقاً، وهو بحقٍّ يمكن أن يطلق عليه "السجل التاريخي لليغا" لأنه الملعب الوحيد الذي استضاف على أرضه جميع الفرق التي شاركت في الدوري الإسباني منذ انطلاقه، وذلك على مدار 82 نسخة لُعبت حتى الآن. سُمّي ملعب سان ماميس بهذا الاسم لقربه من كاتدرائية تحمل نفس الاسم، وقد وُضع حجر الأساس لبناء الاستاد في العشرين من كانون الثاني/ يناير عام 1913، ووضع التصميم الأصلي للملعب المهندس المعماري مانويل ماريا سميث، وتمّ الافتتاح الرسمي للملعب في الحادي والعشرين من آب/أغسطس من العام ذاته، حيث أُقيمت مباراة احتفالية بهذه المناسبة جمعت بين فريقي أتلتيك بلباو وراسينغ دي برون. وكان سان ماميس يعدّ من الملاعب الصغيرة في إسبانيا عند افتتاحه، إذ لم يكن يتّسع إلا ل3500 متفرّج فقط، إلا أنه عام 1920 تمّ تجديد الملعب وتوسعته، حيث اتّسع وقتها ل9500 متفرّج، ثمّ أُجريت تجديدات أخرى للملعب عام 1952 زادت طاقته الاستيعابية إلى 47.000 متفرّج، وكان المشهد الأبرز والأهم في تاريخ هذا الملعب عندما قرّرت اللجنة المنظّمة لنهائيات كأس العالم عام 1982 وضعه على لائحة الملاعب التي ستستضيف البطولة، حيث تمّ عمل تجديدات شاملة لمدرّجاته وأرضيته، ورضخت اللجنة المنظّمة وقتها لاشتراطات الفيفا فقلّصت السعة الرسمية إلى 40.000 متفرّج لضمان مشاهدة الجماهير الحاضرة للمباريات وهي جالسة. وفي مونديال 1982 استضاف الملعب ثلاث مباريات، أولها كان بين إنكلترا وفرنسا وانتهت بفوز إنكلترا (3-1)، والثانيه كانت بين إنكلترا وتشيكوسلوفاكيا وانتهت بهدفين نظيفين لصالح منتخب الأسود الثلاثة، أما اللقاء الثالث والأخير فكان بين إنكلترا والكويت وانتهى اللقاء لصالح الإنكليز بهدف دون ردّ. أحداث ومباريات تاريخية وبعيداً عن مباريات مونديال إسبانيا عام 1982 فقد استضاف ملعب سان ماميس العديد من المباريات والأحداث المهمّة، وكانت أوّل مباراة دولية تُقام على أرضه في التاسع من تشرين الأوّل عام 1921، وجمعت بين إسبانيا وبلجيكا وانتهت بفوز أصحاب الأرض بهدفين دون ردّ. ومن أهم اللقاءات الودّية التي أُقيمت في سان ماميس تلك التي جمعت بين إيطاليا وإسبانيا في التاسع عشر من نيسان/ أبريل عام 1931، وانتهت بالتعادل بدون أهداف، كما احتضن الملعب مباراة ودّية مُثيرة جمعت بين إسبانيا وجارتها البرتغال فيما يُعرف ب"ديربي أيبيريا" وأقيمت المباراة في السادس عشر من آذار/مارس عام 1940، وانتهت لصالح إسبانيا (5-1). وعلى صعيد النهائيات الأوروبية استضاف الملعب مباراة العودة في نهائي كأس الاتّحاد الأوروبي، التي أُقيمت في الثامن عشر من أيار/ مايو عام 1977 بين أتلتيك بلباو ويوفنتوس، وانتهت بفوز أتلتيك (2-1) ويومها توّج يوفنتوس باللقب لفوزه ذهاباً على أرضه بهدف دون ردّ. وكان سان ماميس شاهداً على تتوّيج أتلتيك بلباو بلقب كأس إسبانيا عام 1921، عندما استضاف المباراة النهائية للبطولة التي جمعت بين بلباو وأتلتيكو مدريد وانتهت بفوز أصحاب الأرض بأربعة أهداف مقابل هدف. الملعب الجديد في عام 2006 اتُّخذ قرار إنشاء ملعب جديد في مدينة بلباو يحمل اسم "سان ماميس باريا" أكبر من الملعب الحالي وفي عام 2007 تمّ انشاء مجسم للملعب، علماً بأن عملية انشائه الفعلية كانت قد تأخّرت كثيراً، حيث وضع حجر الأساس وانطلقت العمليات الإنشائية مطلع آذار/مارس عام 2010. ويتّسع "سان ماميس باريا" لأكثر من 53.000 متفرّج، وهو يشبه إلى حدّ كبير ملعب إليانز أرينا في مدينة ميونيخ الألمانية، وسوف يتمّ افتتاح الملعب الجديد مع انطلاق موسم 2013/2014 على الرغم من أن جميع الإنشاءات لن تكون قد انتهت بعد، حيث ستستكمل تماماً مع انطلاق الموسم بعد القادم. وداع حزين بعد ما يقرب من مئة عام على العطاء اختتم الاستاد العتيق مسيرته باحتضان آخر مباراة رسمية لأتلتيك بلباو على أرضه والتي كانت أمام ليفانتي في المرحلة 37 من الدوري الإسباني (قبل الأخيرة) وانتهت بفوز ليفانتي بهدف دون ردٍّ، سجّله خوان لويس غوميز في الدقيقة 90، الذي دخل التاريخ من أوسع أبوابه، حيث كان آخر لاعب يهزّ الشباك في هذا الملعب العتيق. وأبدى مشجّعو الفريق الباسكي احترامهم الشديد وتقديرهم للملعب، حيث احتشد في مدرّجاته يوم المباراة أكثر من 40.000 متفرّج، وقفوا جميعهم قبل انطلاق اللقاء دقيقة صمت حزناً على إغلاقه ووضع لاعبو بلباو باقة من الزهور في منتصف الملعب تقديراً وعشقاً للمكان الذي شهد على الكثير من إنجازات وأفراح النادي العريق، والذي قال عنه المدرّب الفرنسي الشهير لويس فيرنانديز، مدرب بلباو الأسبق (1996-2000)، "مدينة بلباو بدون سان ماميس مثل باريس بدون برج إيفيل". وسيتمّ إنهاء خدمة ملعب سان ماميس رسمياً في الخامس من الشهر الحالي، عندما يستضيف مباراة شرفية ستجمع بين أتلتيك بلباو ومنتخب إقليم لاعبي الباسك، علماً بأنه فور هدمه سينتقل لقب أقدم ملاعب الليغا الإسبانية لملعب ميستايا معقل فلنسيا، الذي افتُتح قبل 90 عاماً. تاريخ سان ماميس بالأرقام استضاف ملعب سان ماميس على مدار تاريخه 1741 مباراة رسمية. أقيمت على أرض سان ماميس 1301 مباراة في دوري الدرجة الأولى الإسباني، 823 مباراة انتهت بفوز أتلتيك و253 مباراة انتهت بالتعادل و225 مباراة انتهت بخسارة أتلتيك. سجل أتلتيك بلباو طوال مشواره في الليغا على ملعبه 2902 هدفاً ودخل مرماه 1313. 244 مباراة خاضها أتلتيك على أرض سان ماميس ضمن مسابقة كأس الملك ربح منها 180 مباراة وتعادل في 38 مباراة وخسر 26 مباراة، وسجل الفريق الباسكي على أرض سان ماميس في الكأس 787 سبعة هدفاً واهتزت شباكه 246 مرة.