أثبتت الفرنسية ماريون بارتولي، المتوّجة أمس السبت بلقبها الكبير الأول بعد فوزها على الألمانية سابين ليسيكي في نهاية بطولة ويمبلدون الإنكليزية، أنّ بإمكان المرء أن يحقّق المعجزات بشيء من التصميم والإرادة بعد أن تجاوزت جميع الصعوبات التي واجهتها وبينها السخرية منها لعدة أسباب وأبرزها علاقتها بوالدها الذي تحرّرت منه مؤخّراً. في الثامنة والعشرين من عمرها، اللاعبة رقم واحد في فرنسا ليست الأكثر موهبة في ملاعب الكرة الصفراء أو الأكثر بريقاً وجمالاً، لكنها تمكّنت دون أدنى شك من تجاوز قدراتها الشخصية وفرضت على الجميع احترامها كلاعبة وشخص على حد سواء. بارتولي ليست من اللاعبات اللواتي يتمتعن بالقدرات البدنية الهائلة (1.70 م) ولا بالسجل الملفت (8 ألقاب من أصل 11 مباراة نهائية)، لكنّها تمكّنت من تجاوز جميع العوائق التي اعترضت طريقها من خلال القيام ب"تضحيات أكثر من اللاعبات الأخريات" من أجل الوصول إلى المستوى الذي خوّل لها تعويض ما فاتها عام 2007 عندما وصلت إلى نهائي البطولة الإنكليزية بإنجاز مميّز حينها قبل أن تعترض طريقها الأميركية فينوس وليامس وتحرمها من احراز لقبها الأول في بطولات الغراند شلام. لم يكن أحد يتوقّع أن تصل الفرنسية "الصغيرة" إلى ما وصلت إليه السبت، خصوصاً أنها عانت منذ الصغر عندما قرّرت مزاولة كرة المضرب في روتورناك، القرية التي تقع في وسط فرنسا ولا يتجاوز عدد سكانها 2700 نسمة، بسبب قدراتها البدنية لكنّها كانت مصمّمة دائماً على أن تصبح من اللاعبات الكبيرات و"أرادت دائماً أن تكون الأولى". وبإشراف من والدها دون أي تغطية اتحادية، كونه ليس مدرباً رسمياً، احتاجت بارتولي إلى الكثير من الوقت لكي تصل إلى المستوى المطلوب، وذلك بسبب تخصيصها القسم الأكبر من وقتها إلى الدراسة حتّى وصولها إلى سن المراهقة بحسب ما تؤكد اللاعبة نفسها. "لم أضع لنفسي مشروع أن أصبح محترفة حتّى فوزي بلقب بطولة الولايات المتّحدة المفتوحة للناشئات حين كنت في السابعة عشرة من عمري"، هذا ما تقوله بارتولي عن مشوارها في الملاعب، مضيفة "كانت الأمور أسهل علي في المدرسة مما كان عليه الوضع في كرة المضرب. لكني أردت دائماً أن أكون الأولى"، مشيرة إلى أنها صنّفت حصولها على 19.5 في المدرسة عوضاً عن العلامة الكاملة، أي 20، ب"الكارثة". منذ أن خطّت خطوتها الأولى في ملاعب الكرة الصفراء كان مسار بارتولي مرتبطاً بوالدها دون غيره في حلقة مقفلة لم يتمكّن أحد آخر من الدخول إليها ما دفع الكثيرين إلى السخرية منها ومن شخصيتها الضعيفة، لكنها دائماً ما نفت أنها تحت "هيمنة" والدها ورغم ذلك رفضت اللعب دون تواجده إلى جانبها ما حرمها من تمثيل بلادها في أولمبياد لندن 2012 لأنها كانت مصرّة على خوض كأس الاتحاد بوجوده إلى جانبها كمدرب، وهو أمر لم يرض به الاتحاد الفرنسي للعبة بسبب وجود مدرب موحّد للمنتخب بأكمله. ورضخت بارتولي في نهاية المطاف إلى الضغوط الخارجية وأعلنت في 10 شباط/فبراير الماضي أنها توصّلت إلى اتفاق مع والدها من أجل إنهاء العلاقة التدريبية بينهما وصولاً إلى إعلانها في أذار/مارس الماضي عن أنّ اللاعبة التشيكية السابقة يانا نوفوتنا ستشرف عليها، لكنّ العلاقة بينهما لم تدم أكثر من أسبوع ما دفعها للجوء إلى مواطنتها إميلي موريسمو التي كانت آخر فرنسية تتوّج بلقب كبير وكان ذلك في ويمبلدون بالذات عام 2006، علماً بأنّ الفرنسية الأخرى المتوّجة بلقب كبير هي ماري بيرس الفائزة بلقب رولان غاروس عام 2000. لم تشعر بارتولي، السمراء، يوماً بأنه مرحّب بها في "نادي" اللاعبات الشهيرات "لأنني لم أكن شقراء بما فيه الكفاية"، بل وصلت الأمور إلى حدّ أنّ أحد مذيعي راديو شبكة "بي بي سي" البريطانية سخر منها بعد فوزها باللقب على حساب ليسيكي لأنها ليست باللاعبة "المدفع"، وهو المصطلح الذي يستخدم لوصف اللاعبات المثيرات، ما دفع "بي بي سي" إلى الاعتذار لاحقاً عن هذا التعليق التمييزي. وفي معرض ردّها على سؤال حول رأيها بالذي صدر عن المذيع الرياضي جون اينفردايل الذي سخر منها قائلاً: "هل تعتقدون بأنّ والد بارتولي قال لها حين كانت صغيرة "لن تصبحي يوماً مدفعاً، لن تصبحي يوماً (الروسية الحسناء ماريا) شارابوفا، وبالتالي يجب أن تعوّضي ذلك بالقتال"، قائلةً: "لا أعير أهمية لهذا الأمر. نعم أنا لست شقراء. هذا أمر واقع. هل حلمت يوماً بأن أصبح عارضة أزياء؟ أعتذر، لكن كلاّ. لكن هل حلمت يوماً بأن أصبح بطلة ويمبلدون؟ نعم، دون أدنى شك". إنّ دخول بارتولي إلى نادي اللاعبات المتوّجات بالألقاب الكثيرة لم يكن سهلاً، فهذه اللاعبة عانت الأمرين من سخرية الناس حتّى من وزنها "الزائد" ومن شكلها الذي "لا يرتقي إلى مستوى معايير الجمال في اللعبة هذه الأيام"، فهي وجدت صعوبة حتّى في إيجاد شركة ترعاها، وهي قالت بهذا الصدد عام 2010: "أنا في المركز الحادي عشر عالمياً لكني أشتري حذائي وثيابي من المتجر كسائر الناس. ربّما لأني لست شقراء بما فيه الكفاية، طويلة بما فيه الكفاية أو نحيلة بما فيه الكفاية". لكن كل هذه العوائق لم تضع حدّاً لحلم الفرنسية بإحراز لقب كبير، الحلم الذي دفعها إلى التخلّي عن علاقتها التدريبية بوالدها وولتر الذي عاد ليشغل وظيفته الطبيعية كأب يحب ابنته ويريد الأفضل من أجلها، وقد تحقّق هذا الأفضل يوم السبت عندما رفعت نجلته درع ويمبلدون تحت عينيه الباكيتين تأثّراً باللحظة الرائعة التي تعيشها ماريون.