خلال مسيرته الرياضية التي استمرت أكثر من 35 عاماً، لا شيء يؤلم الكابتن علي القاضي سوى أنه لم يتمكن من إقامة مهرجان اعتزالي يليق بالبطولات التي حققها في ألعاب القوى. انخرط الكابتن علي صالح القاضي في ألعاب القوى منذ صغره، وتدرج في هذه اللعبة، حتى حقق بطولات عديدة، إلى أن أصبح بطل الجمهورية في ألعاب القوى عام 1970، وتمكن من المحافظة على هذا اللقب حتى عام 1997م. كان القاضي يأمل من وزارة الشباب والرياضة إقامة مهرجان اعتزالي يليق به كبطل يمني لعدة سنوات، لكن ذلك لم يحدث إطلاقاً، وتوارى القاضي عن لعبة ألعاب القوى تدريجياً، فيما كانت اللعبة تنحدر يوما بعد آخر نحو الانهيار وعدم الاهتمام بها. ونتيجة لهذه الظروف العصيبة، كان القاضي يفكر في إيجاد وسيلة أخرى مناسبة، تعيد الاهتمام به، وتبرزه من جديد إلى الأضواء، فاستقر رأيه على الطواف نحو العالم. فكر القاضي بالطواف على العالم جرياً على قدميه، وتارة كان تراوده فكرة أن يطوفه بدراجته الهوائية، لكنه في الأخير اهتدى إلى فكرة الرحلة عن طريق (جمله)، لأن الجمل كما يقول هو سفينة الصحراء، ولديه قدرة كبيرة على التحمل والصبر أثناء السفر. بدأ القاضي رحلته الأولى عام 1994، برفقة زميله أحمد القاسمي، حيث سلكا طريقهما متجهين إلى محافظة الحديدة، وكانا يأملان الحصول على سفينة تصل بهما إلى جمهورية ارتيريا عن طريق البحر، وبعد صبر وانتظار طويل استمر لمدة خمسة أيام، عثرا على سفينة، واتجها إلى ارتيريا، ومن ارتيريا قصدا السودان، ثم مصر، وليبيا، وتونس، ثم الجزائر والمغرب، ثم استمرا في رحلتهما إلى شرق آسيا. وما تزال ذكريات القاضي تحفظ بالجميل للمواطنين المغاربة، والذين امتازوا بالأخلاق العالية وكرم الضيافة، مشيراً إلى أن أروع استقبال حصل عليه أثناء رحلته كان في المغرب، وهي البلد التي تمتاز أيضا بجمال الطبيعة والمناظر الخلابة. لم يستطع القاضي مواصلة مشواره إلى بقية دول العالم، فعاد إلى اليمن، آملاً من الحكومة ووزارة الشباب والرياضة تكريمه، وعمل مهرجان اعتزال له، لكن ذلك لم يحدث، ورجع وكأن شيئاً لم يحدث. تكرار التجربة كان للرحلة الأولى ذوقها الكبير لدى الكابتن علي القاضي، فقرر في عام 2000 أن يكرر التجربة مرة أخرى، وكان هدفه الرئيس فيها نحو وطن عربي واحد، لا حدود فيه ولا جوازات، ونشر الوعي في صفوف الرياضيين العرب بأهمية الوحدة، رافعاً لافتة كبيرة على جمله بعنوان (وجئتك من سبأ بنبأ يقين). ولم تخلو رحلتي القاضي الأول والثاني من متاعب كبيرة، ويقول بإنه عانى الشيء الكثير والكثير، حيث وجد الوحوش والثعابين، ونام في القفاري والصحارى، ووجد البحر بأمواجه العاتية وظلمته الموحشة، كما وجد الإنسان بخيره وشره، ووجد الطبيعة بحرها وبردها، مؤكداً بقوله :"كل مصائب الأرض وجدناها في رحلتنا". وما يزال القاضي يتذكر كيف وصل إلى أستراليا عام 2000 والتي كانت تستضيف في تلك الأيام الأولمبياد، كان أمله الكبير أن تسمح له اللجنة المنظمة بالمشاركة في الأولمبياد وتشريف اليمن، كان بحاجة إلى أن تبذل وزارة الشباب والرياضة مجهوداً كبيراً وتتواصل مع اللجنة المنظمة للسماح له بالدخول إلى البطولة (بالجمل)، فتواصل القاضي مع الوزارة وبعث العديد من الرسائل، لكن للأسف الشديد لم يلتفت إليه أحد. وأثناء بعث الرسائل- يقول القاضي- إن عدداً من السفارات الخليجية والعربية كانت تتواصل معه بشكل متواصل، وعرضوا عليه المساعدة، وإعطائه مزيداً من الأموال، مقابل شيء واحد، أن يشارك في الأولمبياد رافعاً علم آخر غير العلم اليمني، لكن القاضي رفض تلك العروض، وخسر حلم المشاركة في الأولمبياد. بلادي وإن جارت علي عزيزة يرسل القاضي نهدة قوية ويؤكد بقوله :" حب بلادي هو السبب الوحيد الذي جعلني أرفض تلك العروض.. لا يمكن أن أحمل علم بلد آخر، غير العلم اليمني، حتى وإن جارت علي بلادي، فهي عزيزة على قلبي". أستراليا أيضاً كانت نقطة التعثر للقاضي، لم يتمكن من مواصلة مشواره إلى بقية الدول الأخرى، وكان أكبر عائق يواجهه هو الجانب المالي، فاضطر في نهاية المطاف إلى بيع جمله لأحد المغتربين اليمنيين في ماليزا، وعاد إلى اليمن بخفي حنين. قطع القاضي ورفيقه حوالي 36 ألف كيلو بواسطة (الجمل)، وكان يتمنى لو تم السماح له له بالدخول إلى أولمبياد سدني والمشاركة فيه، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن. ويعود الأسى من جديد ليتملك القاضي، ويقول بأسى إن الشيء الذي كان يتمنى تحقيقه في مسيرته الرياضية ولكنه لم يتحقق هو مهرجان اعتزاله، وحتى الآن لم يتم يقام مهرجان اعتزال للكابتن علي القاضي، كما لم يحصل على الاهتمام الكافي من قبل الجهات المعنية في بلادنا. وفي مشواره الرياضي في لعبة ألعاب القوى يؤكد الكابتن علي القاضي أنه تلقى العديد من العروض للعب في عدد من الأندية الخليجية والعربية، لكنه رفض تلك العروض، وكان هدفه الرئيس هو تمثيل اليمن والبقاء فيه، غير أن ذلك لم يشفع له بالاهتمام والالتفات إليه من قبل مسؤولينا في الرياضة. وحالياً يفضل القاضي البقاء في منزله، محتفظاً بالذكريات الجميلة التي قضاها في ألعاب القوى وفي رحلتيه بالجمل عبر العالم، ويأمل من وزارة الشباب والرياضة، وجميع المسؤولين في بلادنا الاهتمام بالرياضية في بلادنا، وعدم تجاهل الرياضيين الأبطال في جميع الألعاب كما حدث له، مشيراً إلى أن في اليمن مواهب كثيرة لكنهم بحاجة إلى مد يد العون وعدم نسيانهم.