لعل أغلب الانتقادات التي طالت مونديال 2022 الذي فازت بشرف تنظيمه دولة قطر كانت أغلبها تتمحور حول درجات الحرارة المرتفعة التي قد تؤثر على سلامة اللاعبين والجماهير وعلى الرغم من أن قطر قد أخذت على عاتقها مسؤولية جبارة تتمثل في بناء ملاعب مكيفة تجعل المباريات تدار وسط أجواء مناخية لطيفة إلا أن المخاوف ظلت قائمة إلى يوم خرج فيه هذا المقترح الجديد بنقل النهائيات من الشتاء إلى الصيف. ووسط هذا الزخم من الانتقادات والحديث عن قطر وحرارتها وشمسها ومونديالها أغمض الجميع عيونهم عن مونديال 2018 وعن روسيا وثلوجها وبردها وصحرائها الجليدية ورياحها الباردة التي تعصف سنويا بالأرواح كما تناسى الجميع أيضا عنصرية الروس و الصراعات القومية والنزاعات الدينية التي تنتقل من القوميات إلى المدن الكبيرة نبدأ بحديثنا عن المناخ الروسي القاسي ففي شتاء 2012 اجتاحت موجة برد قارسة أجزاء واسعة من البلاد الروسية حيث وصلت درجة الحرارة إلى 30 درجة تحت الصفر ولم تمر هذه الموجة دون أن تحصد ما لا يقل عن أرواح 142 شخصا. وتتميز روسيا الي تعتبر من أكبر الدول في العالم من حيث المساحة 17مليون و75ألف كيلو متر مربع وتتوزع أراضيها بين قارتي آسيا وأوروبا بقساوة مناخها وارتفاع درجات البرودة مما جعل أراضيها غير صالحة للزراعة لفقر تربتها وتقلبات مناخها بين البرودة و التجمد دون وسطية أو اعتدال . أغمض الجميع أعينهم أيضا عن صحراء سيبريا التي تعتبر أكبر صحراء جليدية في العالم وعن موجات وتيارات البرودة التي تنبعث منها وتنشرها في كامل أنحاء البلاد حيث توجد هنالك قرية أويمياكون التي يطلق عليها قطب البرودة أو أبرد قرية في العالم حيث تصل فيها معدلات البرودة إلى 50 درجة تحت الصفر. وفي سنة 1924 انخفضت درجات الحرراة إلى أرقام قياسية حيث وصلت إلى 71 درجة ويقتات سكان هذه القرية الذين يبلغ عددهم 500 نسمة على لحوم الغزلان حيث يعتمدون على نظام حياة بدائية ويقطنون الأكواخ الخشبية ويستعملون الفحم الخشبي للتدفئة . أما في سنة 2012 فقد تناقل العالم عبر الفضائيات العالمية صورا للمئات من الشاحنات والسيارات في العاصمة الروسية موسكو التي حاصرتها الثلوج في الطرقات وظلت محتجزة مما تسبب في اختناق مروري كبير و لقي البعض مصرعهم بسبب التأخر في وصول الإمدادات وشدة البرودة. هذه الأجواء المناخية القاسية جعلت النجم البرتغالي داني الذي ضرب الأرقام القياسية في سوق الانتقالات الروسية سنة 2008 حيث قدرت صفقته ب30مليون يورو عندما انضم لنادي سان بيتر سبورغ قادما من دينمو موسكو يفكر في الرحيل . وعلى الرغم من مرور ثلاث سنوات مع ناديه الجديد والشهرة الطاغية التي صار يتمتع بها إلا أنه اختار في النهاية الرحيل عن بلاد الدببة لصعوبة أجوائها المناخية التي أثرت بالسلب على نفسيته. اغمضت الصحافة الغربية أيضا عيونها عن ظاهرة متفشية في روسيا تضرب بعروقها في المجتمع مثلما تتفشى الخلايا السرطانية في الجسد تغاضوا عن جريمة تحاك خيوطها في وضح النهار وتمر دون عقاب أو محسابة أنها داء ينخر بنيان المجتمع الروسي وهي العنصرية وتشتهر روسيا بتنامي ظاهرة العنصرية التي اتفق الباحثون الاجتماعيون على تسميتها بمصطلح جديد وهو الفاشية الجديدة حيث يترعرع التناحر والصراعات القومية مثلا بين شمال القوقاز وروسيا والذي يؤدي إلى عدة كوارث إنسانية كالعملية الانتحارية البشعة التي استهدفت مطار دوموديديفو الدولي بموسكو والذي أسفر عن هلاك35 شخص و100 جريح وتتعدى الصراعات العرقية أو النزعات الدينية حدود القوميات كي تصل في بعض الأحيان إلى أكبر المدن الروسية مثلا بين العاصمة موسكو و سان ببترسبورغ ويتاكنبورغ أكبر المدن الروسية وأكثر المدن سكانا حيث لا يتورع المتطرفون على حرق محلات أقليات طاجيكية والعبث بمحتوياتها أو قتل بعض الأشخاص من الأقليات الآسيوية مثلا . العنصرية في روسيا طالت حتى ملكة جمال روسيا 2013 ألميرا عبد الرازاقوف بسبب أصولها التترية والتي تعتبر من أهم الأقليات العرقية في روسيا حيث قالت لجنة التحكيم أن الحسناء البالغة من العمر 18 سنة ليست روسية بما فيه الكفاية مما دفعها إلى مسح كل حساباتها من شبكات التواصل الاجتماعي كفيسبوك وتويتر بعد وصفها ببائعة الكشك أو الأذرية بائعة البقدونس والتترية المتوحشة وأن جمالها لا يلفت انتباه سوى قطيع من الخرفان. ولعل الملاعب الروسية هي انعكاس عن طبيعة المجتمع الروسي وتفشي ظاهرة العنصرية فيه حيث دفعت عنصرية الموز بالنجم البرازيلي روبيرتو كارلوس إلى اعتزال كرة القدم من فريق إنجي بعد رميه بأكثر من مرة بحبات الموز. ولعل الجميع لا يزال يتذكر دعوة وزير الرياضة الروسي الذي شدد على معاقبة مثيري الشغب في الملاعب والزج بهم في السجون وعدم التسامح مع أية خطابات عنصرية تشجع على الاعتداء على اللاعبين ذوي البشرة السمراء عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي. السؤال الذي يطرح هنا لماذا يغمضون أعينهم عن ثلوج روسيا وعنصريتها وينشغلون فقط بحرارة قطر وشمسها؟