سطّر البطل النرويجي المخضرم أولي إينار بيورندالن اسمه بأحرف من نور في تاريخ الأولمبياد الشتوية عقب إحرازه الميدالية الذهبية السابعة في مسيرته الأولمبية وهو في سن الأربعين. أحمد النفيلي لم يكن إحراز النرويجي المخضرم أولي إينار بيورندالن للميدالية الذهبية في سباق السرعة لمسافة 10 آلاف م في مسابقة البياثلون ضمن دورة الألعاب الأولمبية الشتوية (سوتشي 2014)، حدثاً مهماً فقط، بل يمكن القول إنه كان إنجازاً فريداً خلد صاحبه بأحرف من نور في تاريخ الألعاب الأولمبية الشتوية، ليس فقط لأن المتسابق النرويجي الأسطوري تمكن من الفوز بالميدالية الأولمبية الثانية عشرة في مسيرته الرياضية فعادل بذلك الرقم القياسي المسجل باسم مواطنه بيورن دايهلي بل لأن إنجاز بيورندالن هذا حققه وهو في سن الأربعين، فتوج به مسيرة متميزة من العطاء استمرت لأكثر من 16 عاماً، إذ أن باكورة إنجازاته كان قد حققها في أولمبياد ناغانو الشتوية عام 1998، عندما توج بميداليتين ذهبية وفضية وكان عمره آنذاك لا يتجاوز 24 عاماً. ازداد الإعجاب بيورنالين عقب فوزه بميداليته الذهبية السابعة في مسيرته، خاصة أنه هذه المرة لم يكن مرشحاً على الإطلاق للفوز بسباق السرعة لمسافة عشرة آلاف متر في البياثلون، كون منافسه الفرنسي مارتان فوركاد كان هو المرشح الأبرز للتتويج باللقب؛ فعلاوة على أنه أصغر من النرويجي المخضرم بخمسة عشر عاماً، فقد سيطر فوركاد على كل مسابقات البياثلون في الموسمين الأخيرين، إلا أن عزيمة وإصرار بيورنالين جعلتاه ينهي السباق في المركز الأول بزمن 24.33.5 دقيقة متقدماً على النمساوي دومينيك لاندرتينغر (بفارق 1.3 ثانية). لم يكن تخصص أولي إينار في مسابقة البياثلون أمراً غريباً فهي رياضة شتوية نرويجية المنشأ، وتعتمد التزلج لمسافات طويلة تتخللها من اثنتين إلى أربع جولات رماية، وكلما كان التصويب غير دقيق يتم إضافة مسافات جديدة إلى المتسابق يتعين عليه قطعها قبل إنهاء سباقه. وعلى الرغم من صعوبة هذا النوع المركب من المسابقات فقد برع فيه بشكل مبهر بيورندالن منذ نعومة أظفاره وكان أول فوز حقيقي للأسطورة النرويجية عام 1993 عندما أحرز ثلاث ميداليات ذهبية في بطولة العالم للشباب التي أقيمت وقتها في مدينة روبلدنغ الألمانية، وكانت هذه هي شرارة البدء لمسيرة حافلة بالألقاب والإنجازات التي من الصعب أن يكررها أي متسابق آخر في البياثلون. مسيرة مذهلة المتابع لمسيرة أسطورة التزلج النرويجية سيجد بالتأكيد صعوبة في حصر كم الميداليات الذهبية وكم الانتصارات المدوية التي حققها اللاعب على مدار تاريخ مشاركاته في مسابقات البياثلون، سواءً كان في بطولة العالم أو خلال الدورات الأولمبية التي شارك فيها. في عام 1993 لفت بيورندالن الأنظار إليه بشدة من خلال مشاركته في بطولة العالم للشباب التي أقيمت في ألمانيا عندما كان أول متسابق يفوز بثلاث ذهبيات من أصل أربع ممكنة، وذلك عندما حقق ثلاث ميداليات ذهبية في مسابقات الفردي والعدو السريع والفرق، وهو ما جعل الأضواء تسلط عليه عند مشاركته في مسابقات الرجال بعد ذلك. لم تكن بداية النجم النرويجي في بطولة العالم للكبار سهلة أو مبشرة، إذ مرت البطولات الأولى عليه دون تحقيق نتائج تذكر ولعله كان في طور اكتساب الخبرات والتعود على منافسات الكبار والمحترفين آنذاك، فانطلقت مسيرة بيورندالن في بطولة العالم للبياثلون، التي أقيمت في كانمور عام 1994، ولم يحقق خلالها أي نجاح يذكر، وتكرر المشهد المخيب للمتسابق الشاب في بطولتي العالم اللتين أقيمتا في أنثولز الإيطالية عام 1995 ثم في روبولدنغ الألمانية عام 1996. وكان أول إنجازات بيورندالن في بطولة العالم التي أقيمت في سلوفاكيا عام 1997، عندما أحرز فضية المطاردة إضافة إلى ذهبية الفرق مع منتخب بلاده النرويج، التي كانت فأل خير عليه، إذ نجح عقب ذلك بالفوز ب 18 ميدالية ذهبية متنوعة عقب ذلك خلال مشاركته في بطولات العالم المختلفة ويمكن القول إن انطلاقة المتزلج النرويجي الفذ الحقيقية جاءت في بطولة العالم عام 2003، التي أقيمت في مدينة "خانتي مانسيسك" الروسية، إذ حقق وقتها ميداليتين ذهبيتين، كانت إحداها في مسابقة العدو السريع، إحدى المسابقات المفضلة لبيورندالن التي حقق فيها ميداليته الذهبية الأخيرة في أولمبياد سوتشي. وكان لسيطرة البطل النرويجي على بطولات العالم المختلفة وتألقه الملفت في البطولات الكبرى أن حصل على كأس العالم للبياثلون ست مرات، وهو اللقب الذي يمنح لأكثر المتسابقين فوزاً في المسابقات المختلفة التي تقام على مدار الموسم، حيث توج بلقب البطولة مواسم ) 1997/1998 و2002/2003 و2004/2005 و2005/2006 و2007/2008 وأخيرا موسم 2008/2009( فيما حصل على المركز الثاني أربع مرات ) 1998/1999 و1999/2000 و2000/2001 إضافة إلى وصيف البطل في موسم 2003/2004( . إعجاز أولمبي انطلقت مشاركات بيورندالن في الدورات الأولمبية الشتوية بداية من أولمبياد عام 1994 التي استضافتها مدية يلهامر النرويجية ولم يحقق فيها البطل النرويجي أي إنجازات يذكر، إذ حل وقتها في المركز الثامن والعشرين في سباق السرعة ضمن البياثلون، والسابع في سباق التتابع. وعرف بيورندالن طريقه إلى منصات التتويج الأولمبية بداية من أولمبياد ناغانو في اليابان عام 1998، إذ حقق وقتها أول ميدالية ذهبية في تاريخه وكانت في سباق السرعة، ثم أتبعها بميدالية فضية في سباق التتابع، وكانت هذه هي إشارة البدء للنجم النرويجي إذاناً بسيطرة تاريخية له على رياضة البياثلون بشكل عام على الصعيد الأولمبي، ففي أولمبياد عام 2002، التي استضافتها مدينة سولت ليك الأميركية تمكن بروندالين من الظفر بأربع ذهبيات سيطر بها على رياضة البياثلون بشكل تام، حيث حصل على المركز الأول في مسابقات الفردي والسرعة والتتابع والمطاردة. تمكن البطل النرويجي الفذ من مواصلة عطائه الكبير بعد ذلك واستمرت نتائجه المبهرة باعتلائه منصات التتويج أيضاً في أولمبياد عام 2006، التي أقيمت في مدينة تورين الإيطالية فحصل وقتها على فضيتين وبرونزية، وفي الألعاب الشتوية عام 2010، التي أقيمت في مدينة فانكوفر الكندية، تمكن البطل النرويجي من استعادة أمجاده السابقة بحصوله على الذهبية السادسة في مسيرته عقب الفوز بالمركز الأول في سباق التتابع للرجال، ثم كان مسك الختام في ثاني أيام أولمبياد ستوشي عندما توج بالذهبية السابعة في مسيرته. وعلى الرغم من إخفاق بيورندالن في سباق التتابع في سوتشي وحلوله في المركز الرابع وإهداره بالتالي لفرصة الحصول على الميدالية الأولمبية الثالثة عشرة ليتجاوز بالتالي مواطنه دايهلي ويصبح أكثر الرياضيين حملاً للميداليات المتنوعة في تاريخ الأولمبياد الشتوية، إلا أن اسم البطل النرويجي الكبير سيظل مرصعاً بأحرف من نور في التاريخ الأولمبي، وسيظل حصوله على ذهبية أوليمبية وهو في سن الأربعين عنواناً لبطل عظيم متفانٍ في حب رياضته، فمثله قلما تجود به السنون.
