لم يعد الحوار الوطني الشامل المزمع عقده شأناً يمنياً, بل أصبح شأناً دولياً, فمع أول أيام التدريب الذي نتلقاه كمرشحين لعضوية المؤتمر اتضحت لي الصورة أكثر, عن حجم الإعدادات, ومقدار وعمق وأسباب الاهتمام الدولي. تعد تجربة الحوار القادمة أضخم تجربة على مستوى العالم, من ناحية الإعداد, وغنى التجربة, والخبرات الدولية التي ساهمت في التحضير, والتجارب السابقة التي تم الاستفادة منها. تجربة الحوار الوطني ليست كالتجارب اليمنية الماضية, فلأول مرة ندخل في حوار برعاية دولية, وتحت البند السابع الذي يجيز لمجلس الأمن التدخل بالقوة إذا رأى ذلك – مع اختلافنا حول التدخل الدولي ومسبباته – لكني أتكلم عن الواقع, كما أن الإعداد لهذا الحوار كان على أعلى مستوى من الحرفية, وساهم فيه نخبة من أشهر الخبراء العالميين والعرب والمحليين, الذين شارك بعضهم في تجارب حوار سابقة في الكثير من دول العالم. إضافة إلى أن هذا المؤتمر يتميز بتنوع القوى المشاركة فيه, وعدم احتكار مراكز القوى التقليدية لعضويته كما في الحوارات السابقة, كما انه لأول مرة تشارك المرأة والشباب ومنظمات المجتمع المدني وبحصص قوية وليست شكلية, والأهم في الموضوع أنه لا توجد قوة واحدة يمكنها أن تهيمن على مخرجات الحوار بسبب آلية التصويت على المخرجات التي تتطلب نسباً عالية يستحيل معها أن يهيمن طرف لوحده على المخرجات. وإذا ما أضفنا الشفافية التي سينتهجها الحوار وحرية تداول المعلومات ونقل الجلسات العامة على الهواء, وتوثيق جلسات كل اللجان الخاصة وغيرها من الأمور التي ستمكن المجتمع من المشاركة في الحوار, فإن هذه التجربة جديدة بكل المقاييس, و سيكون هناك رأي عام ضاغط على أي قوة تحاول حرف الحوار عن مساره أو عرقلته أو تجييره لمصالح ضيقة, وستجعل القوى السياسية في اختبار حقيقي أمام الشعارات التي أطلقتها خلال حياتها السياسية وفترة الثورة بشكل أخص. العالم يضخ الكثير من الأموال لإنجاح تجربة الحوار في اليمن, على أمل تعميمها على الدول التي تشهد اضطرابات مشابهة, كما أن هذه التجربة إذا نجحت ستغري باقي الشعوب وتدفعها الى المطالبة باستنساخها عندهم, وبذلك فإن القوى الدولية المسيطرة على القرار ستتمكن من التدخل في الكثير من الدول وبغطاء شعبي. العالم وضع نفسه في امتحان صعب في اليمن, وكذلك من يقفون على الحوار وعلى رأسهم المبعوث الدولي جمال بن عمر والكادر المساعد له والخبراء والأمانة العامة برئاسة الدكتور أحمد بن مبارك, الجميع يعتبر الحوار أهم تجربة يخوضها في حياته, ويسعون إلى إنجاحها. بحسب تقييمي فإن الحوار لن يُسمح له بالفشل, وبذلك فنسبة نجاحه عالية جداَ, للاعتبارات السابقة, لكن تضل هناك أسئلة جوهرية يشترك فيها هذا المؤتمر مع كل مؤتمرات الحوار اليمنية, وهي: هل سيتم تطبيق مخرجاته؟ أم أنها ستلاقي مصير الكثير مخرجات الحوارات السابقة – وثيقة العهد والاتفاق الموقعة في الأردن - أو من القوانين والقرارات – قرارات الهيكلة - التي لا تطبق؟ وهل هناك ضمانات للتطبيق؟ وكيف سيتم منع الحرب بعد المؤتمر كما هي العادة في أغلب المؤتمرات السابقة؟ تلك الأسئلة على المجتمع الدولي ومن يشرفون على الحوار الإعداد للإجابة عنها, عليهم توقع الأسوأ, وتجهيز سيناريوهات ومن الآن لكل الاحتمالات, فليس المهم التقاط الصور عند الانتهاء من كتابة مخرجات الحوار, فالمهم هو التطبيق, فلو تم تطبيق دستور الرئيس السابق صالح والقوانين الصادرة في عهده على مساوئها لما وصلنا إلى ما نحن فيه. وقبل المغادرة لا بد من أن أقول إن ما ذكرته لا يعني أن الإعداد لمؤتمر الحوار لا يخلو من السلبيات, خصوصاً فيما يتعلق بالتهيئة له بشكل عام و بالقضية الجنوبية بشكل خاص, وعدم تقديم ما يغري بعض التيارات الجنوبية للمشاركة فيه, فكما يقول المثل الشعبي: " ما مليح إلا وحمى".