نحن البشر بحواسنا القاصرة لا نرى ما وراء الحائط ، ونستخدم عقولنا القاصرة هي الأخرى في فهم وتحليل وتفسير ما يصل إليها عن طريق تلك الحواس في الماضي والحاضر لاستشراف وتوقع المستقبل ، ومن هنا يحدث الاختلاف والتباين في الأفكار والرؤى والفهم والتحليل والتفسير ؛ فما قد تراه صحيحاً 100% قد أراه خطأً 100% وقد يراه غيرنا نسبياً فلا هو خطأ محض ولا هو صواب بالمطلق . والاختلاف والتباين والتمايُز سُنَّة من سنن الله في كل مخلوقاته ، فهناك الصلب والسائل والغاز ، والثابت والمتحرك ، والأبيض والأسود وباقي الألوان ، والليل والنهار، والشمس والقمر ، والشتاء والربيع والصيف والخريف ، والحلو والمر ، والخير والشر ، والحق والباطل ، والعادل والظالم ، والأرض والسماء ، والذكر والأنثى ، وليست تلك الأمثلة سوى عينة بسيطة للغاية ومحدودة جداً من ملايين الأمثلة للتباين والاختلاف والتناقض في الكون وفي ذلك رحمة من الله للعالمين ، ولنا أن نتخيل كيف سيكون حال الكون بوجود نوع واحد من كل مثل في الأمثلة السابق ذكرها فقط . فنحن البشر نتأثر بمحيطنا العائلي ومحيطنا الاجتماعي ومخزون ما طالعته أعيننا من كتب ومراجع ومواقع الكترونية وقنوات تلفزيونية ، ونتأثر بكل ما يصل لآذاننا من كل ما له صوت في محيطنا الذي نعيش فيه ، ولعل حاستي البصر والسمع هما أكثر الحواس نفاذاً وتأثيراً في حياتنا ، ونعتمد عليهما بنسبة أكبر من باقي الحواس في بناء وترسيخ الأفكار والقناعات والميول والاتجاهات ؛ لذلك فليس من حق أحد في الكون ادعاء أنه يمتلك الحقيقة المطلقة في أي شأن من الشئون المحيطة به ، وعلى وجه الخصوص في القضايا السياسية ، ويجب أن نتذكر على الدوام أن الله عز وجل قد اختص ذاته العلية باسم من أسماءه الحسنى فهو وحده جل جلاله (الحق) ، وبالتالي فإن كل ما عداه نسبي تماماً . ودائما أتذكر في هذا الصدد وأستدل بالقصة المذكورة في عدد من الآيات بسورة الكهف ، والتي كان محورها النبي موسى عليه السلام هو وصاحبه بعد أن اتخذ حوتهما سبيله في البحر عجباً مع سيدنا الخضر عليه السلام وهو الأكثر علماً ومعرفة (فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا) ، وما هي قدراتنا الذهنية والعقلية التي ندعيها مهما تعاظمت بموازاة واحد من ذوي العزم من الرُسُل؟! . ويخاطب النبي موسى عليه السلام الخضر عليه السلام بمنتهى التواضع (هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا) ، وتستمر الحكاية التي توضح محدودية قدراتنا كبشر (حتى الأنبياء منا) وعجزها عن فهم واستيعاب ما لا علم لنا به ، وحكمنا على ما نراه بمنطقنا نحن ، فخرقنا لسفينة هو شرٌ مستطير يستحيل أن نتخيل وجود خيرٌ عميم من وراءه (فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا) ، وإزهاق روح شاب لا نعرفه ودونما ذنب معلوم أو محاكمة عادلة هو جريمة نكراء بكل المقاييس البشرية ، (فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا) ، وفعل المعروف في من لا يستحقه هو فعل مستهجن وغير مبرر ، (فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا) ، وبعد أن عجز نبي الله موسى عن فهم ما استنكره بمنطق البشر وبحواسه القاصرة عن الاستيعاب ، قام (الخَضِرْ) (بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا) . ويقول الإمام الشافعي: « رأيي صواب يحتمل الخطأ ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب » ، ويقول فولتير: « قد أختلف معك في الرأي ، ولكني مستعد أن أموت كي تقول رأيك ». ويقول العماد الأصفهاني في بعض ما كتبه ، وهو دليل على أن ذات الشخص قد يختلف مع نفسه بل وقد يصل الاختلاف لدرجة التناقض أحياناً ، « إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتابا في يومه إلا قال في غده لو غُيِّرَ هذا لكان أحسن ، ولو زيد كذا لكان يستحسن ، ولو قُدِّم هذا لكان أفضل ، ولو تُرِك هذا لكان أجمل ، وهذا من أعظم العبر ، وهو دليل على استيلاء النقص على جميع البشر » . أين أصحاب الزحف لغُرف نوم (ولي الأمر) من كل ذلك ، بمنطق حواسنا البشرية الخمس القاصرة ؟! : - وهم يحتفلون ويطربون لقصفهم بيت من بيوت الله ويصفون ذلك بالبشرى السارة ، وينحرون الذبائح احتفاءً بالمناسبة الغالية ، ويدفعون بالشباب قرابيناً لولعهم بالسلطة ورغبتهم في تملُكها !!!! . - وهم يعتدون دون حكم قضائي أو مسوغٍ قانوني على قناة فضائية بالتحطيم والنهب والسلب المقزز كفود وغنيمة ؟! ثم يزعمون بكل صلف ووقاحة بأنهم بذلك مع حرية الفكر والتعبير عن الرأي والرأي الآخر !!! ، وأن ذلك قد تم في إطار التسوية السياسية كما يصف مصدرهم المسئول !!!! ، وبما لا يتناقض مع مخرجات مؤتمر الحوار الوطني !!!! . - وهم أيضاً يحاصرون بيتاً آخر من بيوت الله ويمنعون الناس من أداء الصلاة فيه !!!!. - وهم قبل ذلك يطوقون جامعة صنعاء كتطويق السوار بالمعصم والطفيليات بالمزروعات من خلال جامعتهم الخاصة ، وفرقتهم المقدسة !!!! . - وهم يرهنون ويقايضون عودة نور العلم في جامعة صنعاء بسقوط النظام بشعارهم الأسطوري بالغ السُخف والغباء والتخلف (لا دراسة ولا تدريس حتى يسقط الرئيس) !!!! . - وهم يشهدون بتوكلهم بأن القرآن مصدر الهام وليس مصدر تشريع !!!! . - وهم يدعون أن الثائر يحتاج لمن يحميه ممن يثور ضده !!! . - وهم يدعون امتلاكهم علاجاً للفقر مستنبط من الكتاب والسُنَّة لم يسبقهم إليه أحد منذ أن نزل القرآن الكريم ، ولن يبقى عند استخدام هذا العلاج فقير في اليمن أو محتاج (دون غيرها من دول العالم) ثم يمنعونه عن الفقراء والمحتاجين !!!! . منشور بالصفحة السادسة من صحيفة (اليمن اليوم) من عدد يوم الاثنين 16 يونيو 2014م 18 شعبان 1435ه العدد (720)