لا شك من أن تدمير الجيوش كان ومايزال مطلبا ثمينا تسخر لاجله الدول المعادية اطنانا من الذهب والفضة ، وعبر تاريخ الجيوش ، ذهب يتبارى أعداء الجيوش في ابتكار الاساليب والوسائل والحيل الناجحة ، في كيفية اختراق الجيوش المعادية وتعطيلها تماما عن أداء مهامها وواجباتها الوطنية، بل وشلها عن التحرك والحركة على مسارح العمليات القتالية .إلا ان تلك الاساليب والحيل ، كثيرا ما كانت تبوئ بالفشل أمام التحصينات العسكرية الصلبة ، والتي كان أمامها - غالبا – مايضطر اعداء الجيوش الى خسارت الروح والجسد . الا أنه وبعد الحرب الصليبية ، والهزائم التي منية بها جيوش اليهود والنصارى ،امام الجيوش الاسلامية ، ابتكرالخبير الاجتماعي المسيحي فرناند هابوارد، فكرة تقول : اذا أردت تدمير الجيش ، بطرق آمنة ووسائل اسرع ، فإن عليك باختراق المجتمع ، أما اذا أردت تدمير الجيش والمجتمع معاً فإن عليك بتدمير الاسرة أولا . وإن كانت هذه الفكرة لم تلقى قبولا ولاترحيبا لدى خبراء الجيوش وعلم النفس والاجتماع في أروبا ، في تلك الفترة ، إلا أنه تم تطبيقها فعلا في تفكيك المجتمع الاسلامي ،والجيوش الاسلامية لدولة الخلافة الاسلامية العثمانية ، ومع تطور علم الاجتماع العسكري ، اصبحت هذه الفكرة محل دراسة وعناية ، ليتضح بعد درسات مكثفة ،أن حقيقة المجتمع هو عبارة عن مجموع الاصول الاجتماعية التي ينتمي اليها الجيش الوطني في البلاد ، وأن الانسان العسكري أيا كان موقعه جندي أو ضابط أوقائد ، فإنه يتربى ويعيش حياته الطفولية في سبع اسر اجتماعية يؤثر ويتأثر بها طوال حياته الى مثواه الاخير وهي : اسرته الاصلية وهم ابوه وامه واخوانه ، واسرته الفرعية ، زوجته وابنه وبنته ، واسرة الاقارب وهم العم والخال ، وكل ماله قرابة من جهة الاب أو الام ، واسرة نسبه ، وهم اقارب زوج الاخت ، واسرة صهره ، وهم اقارب واهل زوجته، واسرة صديقه ، واسرة جاره . وباعتبار أن الاسرة هي اللبنة القوية والركيزة الاساسية في بناء المجتمعات الحية والجيوش القوية، فقد ذهب دعاة الغزو الفكري ومن وراءهم أعداء الجيوش ، للتركيز على تدمير الاسرة المسلمة لاختراق وتدمير المجتعات العربية وجيوشها الاسلامية ، واستخدموا في ذلك الحركة النسائية وفكرة تحرير المرأة إذ لم يكن يخفى على غزاة الفكر وأعداء الجيوش ، أمر المرأة ودورها في الهدم والتدمير لذلك أولوها اهتمامهم الزائد وعنايتهم البالغة . من اجل أن تتجرد المرأة من حليها في الظاهر والباطن فتبدي عورتها للناس وتتبرج تبرجا أشد من تبرج الجاهلية الأولى وتنطلق في الشوارع كاسية عارية مائلة مميلة تغري الناس بزينتها وتحرضهم على الرذيلة وتدمر كل شيء بإذن أسيادها وأساتذتها من الغزاة وعملائهم. فتتحطم الأسر وتتهدم البيوت وتشاع الفاحشة في الذين آمنوا وتقوض أركان المجتمع ويسرى الانحلال والانهيار في كل جوانبه ،ومن ثم تنصاع لتربية اطفالها وفق شروط المنهج الذي يريده أعداء الجيوش ، والذي يهدف الى اقتلاع العقيدة الإسلامية من قلوب المسلمين، وصرفهم عن التمسك بالإسلام نظاماً وسلوكاً وتفريغ العقل والقلب من القيم الأساسية، المستمدة من الإيمان بالله. وغرس عقيدة معادية لكل ماهو عربي وعشق كل ماهو غربي ، تعشق الترف والترفيه والجنس والميوعة والتقليد الاعمى ، ومن ثم دفع هذه القلوب الاسرية العارية أمام عاصفة هو جاء تحمل معها السموم القتالة ،عن طريق الصحافة والمسرح والفيلم والأزياء والملابس وصيحات الموضة , والبحث عن طرق واساليب الثراء العاجل ، الذي غالبا ما يصاحبه انتشار تهريب المخدرات والصفقات التجارية المشبوهة ، وكل هذه الاساليب تتصادم مع السلوك والقيم العسكرية ، التي تتميز بالخشونة والشدة والضبط والربط العسكري . وأمام هذه التدمير الاسري القاتل يظهر التدمير الاجتماعي للجيوش على النحو التالي : أولا: كراهية الجيش وعزوف أبناء الاسر العريقة في المجتمع عن الالتحاق بالجيش الوطني ، وتخصيصه لأبناء الاسر الفقيرة والاسر المسحوقة والتي لم يكن لها ثقل اجتماعي في المجتمع ، وهذا يضر بالمكانة الاجتماعية للجيش الوطني ، على المدى المتوسط والبعيد، لأن الحرب لا يقوم بها الا رجال احرار بكل ماتعني الكلمة , أما الذين امرهم بيد غيرهم لا يصنعون نصرا للمجتمع ،حتى وإن كانوا قادة عسكريين ،فكما يقول القائد العسكري تيدور ، وهو يخاطب مجتمعه لا استطيع أن اصنع لكم نصرا وابي وامي يعملان عند اكبر تاجر في المدينة . ثانيا : ضعف المكانة الاجتماعية للجيش ، تفتح الشهية لأعداء الجيوش ، للدفع بالمنبوذين اخلاقيا من الاسرالعريقة الى الالتحاق بالجيش ، وايصالهم الى مناصب عليا في الجيش وفي مراكز صنع القرار ، فيدخلون وتدخل معهم عقيدتهم الفاسدة وحب الثراء العاجل ، فيعملون على نشر الفساد الاداري داخل وحدات الجيش ، ويستعملون الاقصاء والتهميش ، ويجمعون في وحدات الجيش كل ماهب ودب من ارباب الفساد والفاشلين والمنبوذين اجتماعيا ، وهذا من اخطر اساليب التدمير الاجتماعي للجيوش ، لأن هذا الصنف من القادة لا يكون ولاءه لوطنه وجيشه الوطني ، بل يكون ولاءه لقبيلته التي دفعت به لهذا المنصب ، وايضا للذين يساعدونه ويشاركونه في الفساد ، وبالتالي لا يثبتون في المواقف الحرجة ، فهم بمجرد أن يشعروا بضعف الدولة أول ماينقلبون عليها طبقا لتوجه القبيلة التي ينتمون اليها ، وغالبا هؤلاء القادة العسكرين ، ما يفرون بجلودهم ويتركون وحداتهم العسكرية عرضة للهلاك والتدمير الممنهج ، واكثر الانقلابات العسكرية في الدول العربية كانت من نتائج هذا السلوك . وما فعله اللواء / فضل القوسي بقوات الامن المركزي من عام . 2012م الى 2014م.. ليس خافيا على احد . أما على المستوى الخارجي فإن ثبات هرلاء القادة ، يكون طبقا لتوجهات العامل الخارجي ، فإن كان في صالحهم أعلنوا تمردهم على النظام القائم ، وان كان غير ذلك فروا بجلودهم وتركوا وحداتهم عرضة للدمار ، وهذا ما حصل بالفعل في الجيش اليمني ، فقد لا يخفى على احد تمرد اللواء / علي محسن عام 2011م عندما تأكد من أن العامل الخارجي في صالح الاخوان المسليمن في اليمن ، فأعلن تمرده على النظام وثبت في تمرده حتى تم انتخاب الرئيس / هادي ، على الرغم من أنه كان يعلم أن معظم الجيش اليمني ، مازال يداقع عن الشرعية الدستورية ، بينما في عام 2014م حينما تأكد أن العامل الخارجي ليس في صالحه وهو في وسط المعركة ، لم يثبت امام مليشيا انصار الله ،على الرغم من فارق التسليح والعتاد العسكري بين الفرقة الاولى مدرع التي يقودها المتمرد محسن ، وبين مقاتلي انصار الله ، فقد بدأت المعركة بتاريخ 20سبتمبر وفر المتمرد محسن بتاريخ 21/ سبتمبر أي لم يثبت اكثر من اربعة وعشرين ساعة ثم فر بجلده هاربا الى المملكة العربية السعودية ، حفاظا على مصالحه الخارجية، تاركا قوات الفرقة الاولى مدرع ، تواجه مصيرها المحتوم مع انصار الله ، كما ان هروب محسن سبب انهيار معنوي لدى الوحدات العسكرية المرابطة في صنعاء ، فأصبحت عرضة للنهب والسلب والتدمير ،وهذا من اخطر اساليب التدمير الاجتماعي الذي مارسه المتمرد محسن ضد الجيش اليمني ويسمى في المفهوم العسكري بالتدمير الافقي