منظمة العفو الدولية والناشطة اليمنية رضية المتوكل وقعتا ضحية سوء فهم ونقص حاد في المعلومات لدى الحوثيين والمؤتمريين وغيرهم ممن شنوا ويشنون حملة جائرة عليهما بناء على خطأين كبيرين: الأول أن منظمة العفو الدولية أصدرت تقريراً واحداً عن الحرب السعودية على اليمن اتهمت فيه مضادات الطيران بقتل عدد ضحايا أكبر من الضحايا الذين قتلتهم الضربات الجوية. هذا غير صحيح. والثاني أن رضية المتوكل هي من أعدت هذا التقرير الذي أثار جدلاً واسعاً وما يزال حتى اللحظة. وهذا أيضاً غير صحيح. لم تصدر منظمة العفو الدولية تقريراً واحداً عن آثار ونتائج الحرب السعودية في اليمن، بل ستة تقارير، آخرها التقرير مثار الجدل (ليست تقارير بالمعنى الفني بل عبارة عن بيانات صحفية وأبحاث، ولكننا نصفها هنا كتقارير حسب التسمية الشائعة لها). وقد وردت التقارير الستة بالترتيب التالي: التقرير الأول في 31 مارس، أي بعد 5 أيام على انطلاق الضربات الجوية السعودية في اليمن. حمل هذا التقرير العنوان التالي: "وفاة ما لا يقل عن 6 مدنيين حرقاً في مزيد من الغارات الجوية". وقد يظن من يقرأ عنوان هذا التقرير أنه لم يتطرق سوى لمقتل 6 مدنيين بينما هو في الواقع سلط الضوء على عشرات القتلى الذين سقطوا ضحايا الضربات الجوية السعودية. غير أن عنوانه ركز على "وفاة 6 مدنيين حرقاً" لأن "الموت حرقاً" يحمل جريمة مضاعفة. للتوضيح: هذا التقرير غطى ضحايا عدة ضربات جوية نفذها طيران التحالف في كل من محافظة إب وحجة وصعدة: مقتل 4 أطفال وامرأتان و8 رجال في هجوم على نقطة تفتيش في إب، مقتل رجلين آخرين في هجوم على محطة وقود (إب)، وتدمير محطتي وقود قتل عدة ركاب غير معروفي العدد (إب)، وحرق 3 بيوت في هجوم على ناقلة وقود (إب). بالإضافة الى مقتل 29 مدنيا في هجوم على مخيم "المزرق" للنازحين (في حرض بحجة)، ومقتل 20 مدنياً بينهم ثلاثة أطفال وإصابة 16 آخرين بجروح في سوق "الكتف" (القريب من قاعدة الكتف العسكرية في صعدة). (معد التقرير: سعيد بومدوحة، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية). ------------------------- التقرير الثاني في 24 أبريل بعنوان: "ينبغي التحقيق في الضربات الجوية الوحشية على اليمن والتي خلفت مئات القتلى من المدنيين". (معد التقرير: سعيد بومدوحة) ------------------------- التقرير الثالث في 8 مايو بعنوان: "أدلة دامغة على وقوع خسائر كبيرة بين المدنيين من جراء الضربات الجوية للتحالف بقيادة السعودية". ركز هذا التقرير على ضحايا الضربات الجوية في سعوان التي راح ضحيتها 17 مدنيا. وتمحور التقرير حول عدم مراعاة السعودية وحلفائها للقانون الدولي الإنساني في الحرب التي تشنها على اليمن استنادا على شهادات ضحايا الضربات. وقال سعيد بومدوحة، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية "إن هذه الشهادات المروِّعة هي دليل دامغ على تقاعس القوات العسكرية السعودية وحلفائها عن اتخاذ ما يكفي من الإجراءات لضمان عدم قتل مدنيين دونما ضرورة في حملة الضربات الجوية التي تشنها". (معد التقرير: سعيد بومدوحة). ------------------------ التقرير الرابع في 21 مايو بعنوان: "القبضة الخانقة القاسية للملكة العربية السعودية". ويتحدث التقرير عن الحصار المضروب على اليمن ونتائجه الكارثية على المستشفيات وجرحى الحرب، وسلط الضوء على نفاد الإمدادات والوقود وانقطاع الكهرباء وبقية الخدمات. (معد التقرير: لما فقيه كبيرة مستشاري شؤون الأزمات في منظمة العفو الدولية). ------------------------ التقرير الخامس في 26 مايو بعنوان: "لا أزقة آمنة: حكاية الذين أنهكتهم الحرب في تعزاليمنية". (معد التقرير: رضية المتوكل، ناشطة يمنية). ------------------------ التقرير السادس في 28 مايو بعنوان: "مقتل وإصابة عشرات المدنيين جراء نيران المدافع المضادة للطائرات والقصف الجوي الذي استهدف مخازن الأسلحة". (معد التقرير: لما فقيه، وليست رضية المتوكل). *** الخلاصة: منظمة العفو الدولية قامت بعمل كبير ومهم للغاية في معارضة وإدانة الضربات الجوية لطيران التحالف بقيادة السعودية على اليمن. لكن عدم معرفة أصحاب الحملة الجائرة بما أصدرته المنظمة الدولية المرموقة والعريقة من تقارير حتى الآن دفعهم الى اتهامها بالتحيز السياسي وبيع ذمتها للسعودية، وهذه بحد ذاتها تهمة مثيرة للضحك لأن منظمة العفو الدولية من أكثر المنظمات انتقادا للسعودية وانتهاكاتها لحقوق الانسان. منظمة العفو الدولية هي الأكثر مصداقية ونزاهة بين سائر المنظمات الدولية حول العالم. ومنظمة العفو الدولية ليست مسؤولة عن جهل من يشنون الحملة عليها بما قدمته حتى الآن من تقارير حول الحرب السعودية على اليمن، والتي لم يكن تقرير "ضحايا راجع المضادات" سوى أحدها. وبالطبع، مثلما أعدت المنظمة عدة تقارير حول ضحايا الضربات الجوية فضلا عن ضحايا الحصار السعودي، كان آخر تقرير لها عن ضحايا "راجع المضادات". ومن الطبيعي أن تركز فيه عن ضحايا "راجع المضادات" بالاضافة الى ضحايا انفجارات مخازن السلاح، فهذا هو موضوعه. فضلاً عن ذلك، وهذا هو الخطأ الكبير الذي وقع فيه أصحاب الحملة الجائرة، فإن التقرير لم يقل إن ضحايا "راجع المضادات" أكثر من ضحايا الضربات الجوية، بل قال إن أكثر "الجرحى" في 9 مستشفيات بصنعاء وحدها خلال أول ثلاثين يوماً من القصف كانوا بسبب "راجع المضادات". وركزوا هنا على "الجرحى" و"9 مستشفيات" و"صنعاء" و"أول ثلاثين يوماً". ولذا، تطلق المنظمات الدولية على هذه "المعلومات" التي نسميها نحن تقارير "خبراً" أو "بياناً صحفياً" تبدأ عادة بكلمة "صرحت"، لأنه يتحدث عن "واقعة" أو أكثر ولا يتحدث عن "نمط" أو عن "جملة الانتهاكات في الحرب" أو "جملة الضحايا". لاحظوا ان منظمة العفو الدولية أفردت خمسة تقارير للحديث عن ضحايا الضربات الجوية والحصار السعودي بينما أفردت تقريرا واحدا فقط لضحايا "راجع المضادات" و"انفجارات المخازن"! ولاحظوا أن التقرير المتعلق بضحايا "راجع المضادات" بدأ هكذا: "صرحت منظمة العفو الدولية أن عشرات القتلى سقطوا في صنعاء جراء نيران المدافع المضادة للطائرات التي أطلقها عناصر ميليشيا الحوثي المسلحة". ركزوا على "عشرات القتلى"! بينما يقول عنوان تقريرها الثاني "ينبغي التحقيق في الضربات الجوية الوحشية على اليمن والتي خلفت مئات القتلى من المدنيين"، ركزوا على "مئات القتلى"! كيف يمكن، إذاً، أن تقول المنظمة إن عدد قتلى "راجع المضادات" أكثر من قتلى الضربات الجوية؟! وفوق هذا وذاك، أنتم لا تعرفون مدى أهمية التقرير الأخير الذي تدينونه، وقد أتحدث عن هذا في موضوع آخر. اعتذروا لمنظمة العفو الدولية ولرضية المتوكل، فقد ظلمتموهما كثيراً وظلمتم أنفسكم أكثر!