إننا نعيش اليوم زمن التناقضات , وإلتقاء الأضداد , وتوافق القطبان على الرغم من إختلاف شُحنتهما السياسية. ففي زمن التناقضات يكون التلاعب بالمصطلحات قريب جداً عند الأحزاب التي تُعاني من مراهقة متأخّرة والتي غالباً لا تملّ من إظهار الصراع بين الأحزاب على أنّهُ إيديلوجي أكثر مما يكون تنافس براجماتي عملي. هذه الأحزاب هي نفسها التي تتدعي الحداثة والمدنية وبأنّها رائدة المشروع الوطني الحضاري , هي نفسها أيضاً الأحزاب التي تعمل على تسويق نفسها أمام الغرب بأنّها حاملةً إنشاء الدولة المؤسساتية الحديثة القائمة على التحضّر والتمدّن والإنفتاح مع الآخر . فحزب المؤتمر الشعبي العام وكذلك الحزب الإشتراكي إنموذجاً لذلك .حيثُ يعمل الاخيرين على إقامة التحالفات السياسية بإستراتجية تنافي الولاء الوطني والمشروع المدني الذي يدعّونه. فنجد تحالف غير مُعلن بين حزب المؤتمر الشعبي مع الحركة اليمينية المُتطّرفة متمثّلةً بالحوثي وكذلك الحراك المُسلّح الذي يتزعمه البيض. ومن جهة أُخرى نجد تحالف الحزب الإشتراكي اليمني أيضاً مع حركة الحوثي الدينية المُسلّحة وهذا يقودنا إلى نفق خطير في العملية السياسية , ويعمل على تعزيز التشكيك بين الأطراف المعنيّة في الحوار الوطني في أنّها ليست جادّة لتخطّي ظروف هذه المرحلة الحرجة .وهذا ما يناقض سياسة القُوى اليسارية أو الليبرالية التي لم تخلص لمبدأها وأبجدياتها الحزبية الوطنية. أنّ تتدعي اليسارية والمدنية وتتحالف مع فئةً جهوية وحركة كهنوتية رجعية وكيان مُسلّح مثل حركة الحوثي التي رفضت ولا زالت الإنخراط في إطار سياسي وتسليم السلاح , فهذا هو السقوط بعينه , والهبوط المعرفي وممارسة سياسة الأهواء على حساب الولاء للوطن والعمل على إنجاح الفترة الإنتقالية المتمثّلة بالحوارالوطني. تُهاجمون حزب ال‘صلاح وهو حزب سياسي ديني تحت غطاء الحداثة والمدنية ثُم تذهبون للتحالف مع الحوثيين لتحقيق الدولة المدنية المنشودة ! على الرغم من أنّ الوثيقة السياسية والفكرية للحوثي الذي يعلنونها صراحةً أنّ ولايتهم على أساس إصطفاء آل البيت الذين يعدّونهُ تنصيباً إلاهياً لأئمتم الذين يتميزون بالعصمة عن الخطاً وهذا يقود إلى أنّهم يحضون بإضفاء الهالّة المُقدّسة وأنّهم فوقي أي إعتبار أو مسألة، وهُنا تتجسّد الدولة الكهنوتية السُلالية بكل مقاييسها وإعتباراتها . الحزب الإشتراكي بات في تصّدع ، وحالة تناقض شديد بين ما يؤمن به من مبادئ التي تفرضهُ عليه إيديولوجيته السياسية وما يدعو إليه برنامجه , وبين ما يُمارسه من نقيضٍ على أرض الواقع بتحالفه مع الحركة الحوثية السُلالية المُتمرّدة , ويقود هذا التناقض بشكل علني بعضاً من القيادات في الحزب الإشتراكي اليمني مثل المقالح وبشرى المقطري والخيواني وكذلك البُخيتي الذي قضى في إيران طويلاً. مثل هذه القيادات اليسارية المتواجده في الحزب الإشتراكي اليمني ما يقلقها ليس تطرّف حزب الإصلاح وإنّما محاولة حزب الإصلاح للإنفتاح والقبول بالآخر هو مصدر قلقها ,لأنّ ذلك سيجعلهم يفقدون البوصلة في التبرير ودحض حُجّتهم أمام قواعدهم أولاً وأمام الشعب اليمني ثانياً والمجتمع الغربي بصفةً عامّة. الحزب الإشتراكي اليمني لا زال يُعاني من مرحلة الشيخوخة تدّب في جسمه , ولا زالت الأدمغة القديمة وأصحاب الشعر الأبيض هي من تفرض القبضة الحديدية في القرار التي تُصّر على البقاء في المراهنة على الماضي رافضة النظر إلى المستقبل والتماشي مع مُتطلّبات المجتمع في زمن العلم والتطوّر وثورة التكنولوجيا .وذلك لأنهُ لا زال يتعامل بخبرة الربح والخسارة ولا يُفكّر في العمليات الإصلاحية الوطنية بقدر ما يجعل الصراع الإيديولوجي أحد أهم إعتباراته، مما يُوحي لنا بأنّ بعض قادته ما هُم إلا كائنات مُتسلّطة خدموا الحوثي أكثر ما خدموا الحزب نفسه وذلك بدافع سُلالي وعصبية تُنافي رؤيتهم للمدنية وتفضح إنتهازيتهم التي تُعتبر أشبه ما يكون بالحركات الفاشية في إيطاليا والنازية في ألمانيا ولكنّها بقالب يمني تمثلها ثُنائية الإشتراكي مع الحوثي.