ليست هذه هي المرة الأولى التي تسعى فيها الأممالمتحدة عبر مبعوثها لليمن إسماعيل ولد الشيخ احمد لفرض تسوية سياسية في اليمن وإن كانت تلك التسوية غير واضحة المعالم وتحمل في طيارتها ما ينسفيها من أساسها، لكن يمكن وصف ما اصطلح على تسميته ب"خارطة ولد الشيخ" بأنها أكثر مقترحات التسوية خطورة على حاضر ومستقبل اليمن والمنطقة بأسرها فهي خارطة طريق لن توصل إلى السلام في اليمن بل على العكس سترفع مستوى الصراع والعنف لأعلى مستوياته وسيكون من الصعب السيطرة على الفصائل والجماعات المسلحة التي ستنتجها خارطة الطريق الأممية. ولعل خطورة مسودة الحل السياسي التي وضعها ولد الشيخ تكمن في الأساس في نقل الصراع بين الدولة اليمنية وحكومتها الشرعية المنتخبة بشكل ديمقراطي من جهة وبين قوة اانقلابية وميليشيات متمردة من جهة أخرى، ليتحول إلى صراع بين جماعات مسلحة لا تمتلك أأي منها أي صفة شرعية أو تمثيل رسمي للشعب لأنه من غير المتوقع أن تقبل المناطق التي كانت مهمشة ومحرومة في عهد الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح بتنفيذ خارطة طريق ولد الشيخ ولن تقبل بالعودة لحكومة يستلم فيها الإنقلابييون زمام الأمور على الأرض ليقومو بتصفية حساباتهم مع القوى الوطنية التي قاومتهم على مدار الأعوام الماضية وستخرج تلك المحافظات والمناطق بما فيها من قوات مسلحة عن أي سلطة ينتجها هذا الإتفاق السياسي المشوة. وبالنظر لخارطة اليمن منذ الإنقلاب الأسود وحتى اليوم تبرز على الخارطة مناطق تبدو عصية على أي اتفاق سياسي تسعى الأممالمتحدة لتمريرة يعطي الحوثيين حجماً اكبر بكثير من حجمهم الفعلي، فعلى سبيل المثال من غير المتوقع أن تقبل محافظات مثل مأرب والجوف وتعز والبيضاء وحضرموت والضالع وعدن وأبين وشبوة وغيرها ، أن تخضع لسلطة المركز المقدس في صنعاء مرة اخرى مهما كانت التخريجة السياسية التي تسعى الأممالمتحدة لفرضها فتلك المناطق دفعت ضريبة مرتفعة من دماء ابناءها لوقف تمدد الإنقلاب في مناطقها وبالتأكيد فإنها لن تسلم بالاتفاق السياسي ما رفضت تسليمه عبر المعارك والتضحيات الكبيرة. هذا على الجانب الميداني والشعبي أما على الجانب السياسي فإن خارطة ولد الشيخ تسعى (عن قصد أو دون قصد) لخلق مزيد من الفوضى في المشهد السياسي اليمني عبر تفكيك مؤسسات الدولة بهيئاتها الشرعية المنتخبة وفي المقابل تشرعن وجود ميليشيات مسلحة استحوذت بالقوة على بعض المناطق اليمنية وفرضت سلطة الأمر الواقع وهو ما سيجعل هذا الأمر سنة تجري في البلاد وستظهر كل عدة سنوات جماعة مسلحة تستقوي بأطراف خارجية وافكار متطرفة تسعى لتحصيل ذات المكاسب التي اعطاها ولد الشيخ للحوثيين وحلفائهم وهو ما سيدخل اليمن في مرحلة حروب متلاحقة لن تنتهي خاصة مع تعدد الجماعات المسلحة والمتطرفة في اليمن والتي لا تخطأها العين الفاحصة. وفي المحصلة فإن خارطة ولد الشيخ وفي حال قبولها كمرجعية لحل الصراع في اليمن بدل من المرجعيات التي توافق عليها اليمنييون في سوادهم الأعظم والمتمثلة في مخرجات الحوار الوطني والمبادرة الخليجية والتيها التنفيذية فستكون خارطة الطريق تلك هي ارضية صراع حتمي وليست خطة سلام واستقرار في اليمن.