حينما تصل قساوة الفقر ومرارة الحرمان إلى مستوى يجعل الأم التي ملأ الله قلبها بالحنان، تتخلى عن رضيعها الذي في حضنها.. مقابل الحصول على ما يشبع جوع الأسرة، ويقيها ذل الحاجة إلى الناس، وشر انتهاك الكرامة في مجتمعٍ لم يعد الكثير من أفراده يشعرون ببعضهم البعض أو يرحم أحدهم الآخر، ليجد الفقير المحروم نفسه بين نارين، نار الحاجة إلى الناس والتذلل أمامهم، ونار الجوع الذي ينهش بطون أطفالٍ لا صبر لهم ولا قدرة على التحمل.. أليست حقيقة مرعبة، وصورة مفزعة من صور الواقع البائس الذي تعيشه البلاد.. لقد تلقت الصحيفة اتصالاً من أم لستة أطفال طحن الجوع بطونهم، والتهم أحشاءهم بعد أن حاصرهم الفقر والحرمان والحظ العاثر لرب الأسرة وأب الأطفال الذي بلغ سناً كبيراً، وكان لديه موتور هو مصدر دخله الوحيد، غير أن هذا (الموتور) تعرض للمصادرة قبل عدة أشهر أثناء الحملة التي نفذت في أمانة العاصمة ضد الدراجات النارية.. لم يعد الأب قادراً على العمل والكسب بعرق الجبين لتوفير لقمة العيش الكريمة لأسرته وأطفاله، وقد ترتبت عليه خلال الشهور الماضية التزامات كثيرة، فتراكمت عليه مبالغ كبيرة مقابل إيجار المنزل، فضلاً عن مصاريف المنزل ومتطلبات الأطفال الدراسية حتى ضاقت به وبأسرته الحال، ولم يعد لديهم قدرة على تحمل المزيد من الذل والجوع والحرمان.. كانت الأم تتحدث وتبكي، ظلت الغصة في حلقها طوال حديثها، وآهاتها تسابق كلماتها المتشحرجة، وظلت تترجى إن كنا نعرف أحداً من الناس الميسورين ليس معه أطفال، فإنها وزوجها مستعدان لتسليمه ابنتهما الرضيعة ذات العام والشهر الواحد فقط.. غير أن حنان الأم جعلها تقول المهم أن يكون هذا الشخص معروفاً عندكم وسوف نسلمه الطفلة مقابل مبلغ مالي، إما دفعة واحدة أو على دفعات.. لأننا عاجزون عن إدخال عيالنا المدرسة ولا نستطيع تحمل المصاريف حق البيت ولا شراء ما نأكله.. هي مأساة مؤلمة قد تشترك بها الكثير من الأسر الفقيرة، غير أن حال هذه الأسرة وصل إلى حدٍ لا يحتمل، فضاقت على (الأب والأم) الأرض بما رحبت وضاقت عليهما نفساهما ولم يعد لهما بعد الله سوى من سيدفعه الله بكرمه إلى منازل أحبائه وأوليائه وأبنائه، ومن ذا لا يريد هذه المنزلة، ومن ذا سيبادر لرحمة أمومة هذه المرأة والحفاظ على حنانها الذي احترق بنار الفقر واكتوى بسعير الحاجة والحرمان؟! المصدر :يمنات