مونديال السباحة.. الجوادي يُتوّج بالذهبية الثانية    الرئيس الزُبيدي يلتقي قيادة قطاع الطيران ويؤكد دعم جهود إعادة بناء القطاع وتطويره    وزير النقل يبحث مع نائب مدير مكتب برنامج الغذاء العالمي اوجه التنسيق المشترك    انتشال جثث مهاجرين أفارقة غرقوا قبالة سواحل زنجبار بأبين    مجلس القضاء الأعلى يشيد بدعم الرئيس الزُبيدي والنائب المحرمي للسلطة القضائية    تدشين فعاليات إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف في محافظة الحديدة    قيادة اللجان المجتمعية بالمحافظة ومدير عام دارسعد يعقدون لقاء موسع موسع لرؤساء المراكز والأحياء بالمديرية    انتشال جثة طفل من خزان مياه في العاصمة صنعاء    الفلبين تشكر صنعاء في انقاذ طاقم السفينة "إتيرنيتي سي"    هناك معلومات غريبيه لاجل صحتناء لابد من التعرف والاطلاع عليها    تشلسي يعرض نصف لاعبيه تقريبا للبيع في الميركاتو الصيفي    تسجيل هزة ارتدادية بقوة 6.8 درجة شرقي روسيا    مجموعة هائل سعيد: نعمل على إعادة تسعير منتجاتنا وندعو الحكومة للالتزام بتوفير العملة الصعبة    عدن .. جمعية الصرافين تُحدد سقفين لصرف الريال السعودي وتُحذر من عقوبات صارمة    العملة الوطنية تتحسّن.. فماذا بعد؟!    منذ بدء عمله.. مسام ينزع أكثر من نصف مليون لغم زرعتها مليشيا الحوثي الارهابية    أمين عام الإصلاح يعزي عضو مجلس شورى الحزب صالح البيل في وفاة والده    الحكومة تبارك إدراج اليونسكو 26 موقعا تراثيا وثقافيا على القائمة التمهيدية للتراث    توقعات باستمرار هطول امطار متفاوة على مناطق واسعة من اليمن    اكتشاف مدينة غامضة تسبق الأهرامات بآلاف السنين    الرئيس الزُبيدي يطّلع على جهود قيادة جامعة المهرة في تطوير التعليم الأكاديمي بالمحافظة    خيرة عليك اطلب الله    مليشيا الحوثي الإرهابية تختطف نحو 17 مدنياً من أبناء محافظة البيضاء اليمنية    كل مائة ألف تشتري بها راشن.. تذهب منها 53 ألف لأولاد ال ؟؟؟؟    صحيفة أمريكية: اليمن فضح عجز القوى الغربية    شركات هائل سعيد حقد دفين على شعب الجنوب العربي والإصرار على تجويعه    طعم وبلعناه وسلامتكم.. الخديعة الكبرى.. حقيقة نزول الصرف    نيرة تقود «تنفيذية» الأهلي المصري    رائحة الخيانة والتآمر على حضرموت باتت واضحة وبأيادٍ حضرمية    عمره 119 عاما.. عبد الحميد يدخل عالم «الدم والذهب»    يافع تثور ضد "جشع التجار".. احتجاجات غاضبة على انفلات الأسعار رغم تعافي العملة    لم يتغيّر منذ أكثر من أربعين عامًا    العنيد يعود من جديد لواجهة الإنتصارات عقب تخطي الرشيد بهدف نظيف    غزة في المحرقة.. من (تفاهة الشر) إلى وعي الإبادة    السعودي بندر باصريح مديرًا فنيًا لتضامن حضرموت في دوري أبطال الخليج    الاستخبارات العسكرية الأوكرانية تحذر من اختفاء أوكرانيا كدولة    صحيفة امريكية: البنتاغون في حالة اضطراب    قادةٌ خذلوا الجنوبَ (1)    مشكلات هامة ندعو للفت الانتباه اليها في القطاع الصحي بعدن!!    الرئيس المشاط يعزّي في وفاة نذير محمد مناع    لهذا السبب؟ .. شرطة المرور تستثني "الخوذ" من مخالفات الدراجات النارية    لاعب المنتخب اليمني حمزة الريمي ينضم لنادي القوة الجوية العراقي    تدشين فعاليات المولد النبوي بمديريات المربع الشمالي في الحديدة    من تاريخ "الجنوب العربي" القديم: دلائل على أن "حمير" امتدادا وجزء من التاريخ القتباني    من يومياتي في أمريكا.. استغاثة بصديق    ذمار.. سيول جارفة تؤدي لانهيارات صخرية ووفاة امرأة وإصابة آخرين    أولمو: برشلونة عزز صفوفه بشكل أفضل من ريال مدريد    لاعب السيتي الشاب مصمّم على اختيار روما    تعز .. الحصبة تفتك بالاطفال والاصابات تتجاوز 1400 حالة خلال سبعة أشهر    من أين لك هذا المال؟!    كنز صانته النيران ووقف على حراسته كلب وفي!    دراسة تكشف الأصل الحقيقي للسعال المزمن    ما أقبحَ هذا الصمت…    لمن لايعرف ملابسات اغتيال الفنان علي السمه    وداعاً زياد الرحباني    تساؤلات............ هل مانعيشه من علامات الساعه؟ وماذا اعددناء لها؟    اكتشاف فصيلة دم جديدة وغير معروفة عالميا لدى امرأة هندية    رسالة نجباء مدرسة حليف القرآن: لن نترك غزة تموت جوعًا وتُباد قتلًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فقراء ولكن
نشر في الجمهورية يوم 22 - 12 - 2009

حين يكون فقرك هو المتهم الوحيد بقتلك .. والبؤس موطناً ترعرعت على أرضه روحك.. والفاقةُ ثمراً طعمته بطنك.. والعطش كأسك التي انكسرت قبل أن تصل فاك، الفقراء وحدهم يموتون أحياء.. لكن الأثرياء لا يدفنون فوق السحاب.. مهما ناموا دافئين على فراش وثير.. وسقت أفواههم مياه الينابيع وتدّلت على شفاههم فاكهة جنان الأرض.. الجميع أمام محكمة الموت سواء.. والجميع يعودون من حيث بدأوا .. والجميع يرحل كما أتى خالي الوفاض.
وحدها الحياة لا تموت حتى حين يفنى الموت.. ليس صحيحاً أن الفقر يصقل إحساس الناس بقيمة الأشياء.. ربما يسلب الفقر أشياء كثيرة ومنها أن يحرم الكثيرين من قيمة المال الذي حُرموا منه طويلاً.. طويلاً وكأن الفقر مرض يرثه الأبناء عن آبائهم.. يسيرُ في عروقهم تحمله فصائل دمائهم يخُلقون فيه ويموتون فيه .. ومسرح الفقر مسرح عريض لا يرتدي أبطاله أقنعة ملونة .. ولا يؤدون على خشبته استعراضاً ضاحكاً .. ولا يتقاضون أجراً باهظاً بعد نزول الستار.. ولايحلمُ أحد أن تحمل صورته توقيعاً من فقير منهم .. ولا يتسابق المعجبون والمعجبات لالتقاط الصور بمعيتهم على السجادة الحمراء التي يرفلون عليها بثياب الشهرة والتآلف .. الفقراء لا ينامون عارين على ساحل الكاريبي.. ولا يضربون كؤوسهم بعضها ببعض وهم يُعاقرون الخمر في عالم مخملي رفيع بعيداً عن فراغ البطون وجفاف الشفاه.. واستواء الجوع على عرش المصير الفقراء يتنشقون بُرادة الحديد .. تراب الطرقات .. نكهة الخواء التي تزلزل صدورهم .. الفقراء يبقون كسديم متسلسل لا يفنى بتعاقب الأيام لا ينتهي بقدوم ليل ورحيل نهار .. يقذفهم الجوع بشهب الفاقة ولا يجيدون التهام الفرص.. عاجزون حتى عن تحديد أهداف دنيا بعيدة عن القصور .. قريبة جداً من أكواخهم الرثة .. الفقراء لا ينتعلون أحذية من الماس لأن سيرهم الحثيث حفاة على الأشواك جعل من أقدامهم جنازير زاحفة على صحراء الحياة الرتيبة.. لا يملكون أغلى ربطات العنق لأن حاجتهم للصمت علّمت البعض منهم كيف يربط حول عنقه ألف سبب للموت بلا ثمن .. كيف يحفر قبره بأظافره وهو يتدلى مذبوحاً على مقصلة الذل والعوز.. كيف يُصلي على روحه بفاتحة الكتاب وهو يكفن جسده بالستر قائماً على طريق الفناء بلا عودة.. كيف يسمو إلى جنة الخلد وهو يرسم بجفنيه جناحين من أثير موشى بالأمل .. كيف يسكن السماء بعد ماضاقت عليه بطاحُ الأرض قاطبة..الفقراء أولئك البشر الذين يتكاثرون بالانشطار.. وينقرضون به، يخيطون بطونهم بالصمت ويمزقونها به.. لا يجيدون فن الخطابة على أروقة الوصول لا يملأون جيوبهم بالانتهازية.. ولا يطلون ألسنتهم بطلاء البطالة الموسومة بالحضور المرفه بينما قلوبهم متخمة بالفجور!!! لا يتناولون الفسق صباح مساء كحبات السكر داخل فنجان الرغبة كلما صرخ المزاج!.
لا يتباهون بحجم الخطيئة طولاً وعرضاً كما تتباهى الطواويس بألوانها التي لا تراها!! لا يفرحون بانقضاء مواسم التوبات كما تفرح جماعات الطيور بمواسم الهجرة إلى الشمال.. لا يفرزون عن أعضائهم السافرة لعاب الولوج إلى موائد الخطايا.. لا يحتملون اشتعال النار دون اقدامهم وهم يرقدون على أسرةٍ من الجليد.. لا يهتكون أعراض الباقين على الفطرة وهم يجوسون خلال الديار.. الفقراء وحدهم من يدفع ثمن الإخفاق والفشل.. وحدهم من يطوي صفحة الأيام دون زوايا مظلمة.. وحدهم من يتهاوى لأنهم وحدهم يقفون على القمة.. الفقراء يرون بقعة النور وحدها فضاءً واسعاً.. شربة الماء نهراً جارياً.. لقمة العيش مائدة تنزلت بها أصناف من الأمنيات على صعيد أخضر.. وحدهم يشعرون بقيمة الصحة التي حُرم منها آخرون ينامون على فراش من الذهب.. وحتى عندما يغمرهم طوفان الألم لا يصرخون بالانتهاء إلى عالم آخر.. الفقراء أجساد باع فيها الهم واشترى .. أضحك عليها الكذب وأبكى.. أفرط في قض مضجعها الخوف حتى تمكن منها وأوى وإياها إلى فراش واحد.. ماذا أبقت الحياة لهؤلاء غير الانطفاء؟!..
ماذا علمتهم فاقة الانطراح غير الركون إلى عابث بالساقطين عن صهوة القدر؟!!
لكن .. إلى الآن لم يمزقوا ثياب حاجتهم ليرقعوا مصائرهم.. لم يتبعثروا ليسدوا رمق الاستشراء القبيح على وسائد الليل.. لم يبيعوا أرواحهم للشيطان كما باعها سواهم وما طعموا حرقة الجوع ونار العطش وألم الاحتياج إلى الدواء بلا دواء!!.
الفقراء حبر الحياة إذا كتبت الأيام.. وملحها إذا طهت على نار احداثها الليالي.. بهجة الرضا،وغاية الوفاء .. مسك الصبر.. وقطر الورد.. أعزُ نفوساً في علو سامق تبدأ أو تنتهي.. الفقراء لغة التكاثر البشري .. كتاب الحضور الإنساني .. عنوان الغايات التي من أجلها وضع الميزان وأصبح لكل حق عند الآخر.. الفقراء أولئك الذين لا يستهويهم مجالس الانقياد للطاغوت.. لا يحبون صنع المال الذي يجعلهم قالباً له.. ولا تترعرع داخل احداقهم مشاعر البغض لتقتلع الناس كجذوع النخل الخاوية الفقراء عجلة الأيام التي تسير عليها قوافل المترفين.. فمن يبني بيوتهم؟! من ينظف أروقتهم؟! من يمسح عن أحذيتهم تفل السجار وبقايا شوائب الترف؟! من يعطي عمره وهو يذوب بحثاً عن الحرية إلا هم .. من يشق الطريق بصمت وصولاً إلى السماء على أرجوحة معلقة بالرجاء.. من يلهب صدره كوعاء من الطين لتبقى روحه دافئة.. من يمسك بقاياه بين أصابع من الأثير.. يرحل عنه كل شيء وهو قابض على الرماد!! من تعتريه هواجس الوصول إى أضرحة الأحلام الواهمة؟! الفقراء وحدهم يفعلون ذلك.. عشتُ أياماً أجول عبر اعشاش لم تصنعها الطيور ولم تحملها بحب أغصان الشجر.. كانت أعشاشاً على الأرض ليس لسكانها أجنحة.. ما عساك تنفق لترى ابتسامة على وجه أحدهم؟!
المال .. الطعام .. الكساء .. بعض حلوى العيد؟!!
لا جدوى من البحث عن فرحة ميتة في ركامٍ من الحزن .. تلطخت بالدمع وأنا الملم مسام وجوههم عن عيني لكن ما يصنع قلب يبحث عن هم يملؤه؟!.
وعدتُ لأكتب عن فقراء لا يعرفون جنة الأرض ولم يستمتعوا بألوان الطعام الذي يملأ أسواقها لم يجربوا خوض المغامرات مع النجوم.. أو الذوبان أمام وجه القمر.. لم يتسمروا مشدوهين أمام البحر لم يتذوقوا طعم غفوة لذيذة بعد عشاء لذيذ.. يلبسون ما يطرحه البشر.. يأكلون بقايا البطون المتخمة..
يشربون الماء بآنية من حديدٍ، أبكم.. لا يتكلم لغة النعيم الزائل.. نعم تسربت شرايين قلبي حتى شعرتُ أنها تدلت خارج صدري وأنا أسأل صغاراً يلعبون بالحصى أين العيد منكم؟!
يا الله حتى الدُمى التي يعرفها أطفال العالم لا يعرفها هؤلاء.. هل عجزنا حتى عن تقديم دمية جميلة تدخل السرور على قلب طفل سيصبح يوماً مثلي.. ومثلك.. ما عسانا نقول حين نُسأل على السراط يوماً:ماذا قدم أغنياؤنا لفقرائنا؟!!! أيُجدي أن نبحث عن إجابة عندها؟!
ينفع أن نجود بكل ما نملك يومها.. يبدو أننا لم نستوعب بعد رسالتنا السامية كمسلمين.. فهل أحصلُ على وعدٍ منكم أن تعيدوا قراءة الرسالة؟.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.