لم نكن نتوقع أن يلتقي الفرقاء ويجلس الخصوم حول طاولة واحدة وتحت سقف واحد.. لكنهم التقوا ونجحت جهود فخامة الرئيس عبد ربه منصور هادي ودبلوماسيته في إقناع جميع الأطراف للمشاركة في مؤتمر الحوار الوطني الشامل لطرح قضاياهم بكل شفافية، إن كانوا فعلاً يحملون قضايا أمة وهموم وطن.. ولأن كل طرف متمسك بقضيته حد التعصب ويرفض تقديم أي تنازلات، فقد دفع الكثيرين إلى القول إن الحوار سيكون صاخباً ومحتدماً حد الصراع.. إلا أن ماحصل منذ انطلاق الحوار في 18 مارس الماضي كان عكس التوقعات ودارت عجلة الحوار كما يجب واستطاع المتحاورون التغلب على الكثير من الإشكالات التي برزت أمامهم ولم ينجروا وراء الخلافات الشكلية والمهاترات الحزبية كما كان متوقعاً.. اليوم بدأ الحوار ينتقل إلى مرحلة أكثر جدية وأكثر حساسية مع بدء اللجان المشكلة النظر في القضايا الأساسية المطروحة على طاولة الحوار.. وكل لجنة لها قضيتها التي ستعمل عليها ووفق آلية العمل الخاصة للخروج بالمقترحات المناسبة لحل تلك القضايا، ومع كل يوم حوار يقطع اليمنيون مسافات نحو بر الأمان ويرون أنهم باتوا قاب قوسين أو أدنى من تحقيق حلمهم المنشود في بناء دولة مدنية حديثة يسودها النظام والقانون وينعم كل مواطنيها بالأمن والاستقرار، بعيداً عن الصراعات والعنف الذي أثقل كاهلهم وأثخن الوطن بالجراح.. تفاؤل جميل يداعب مخيلة ملايين البسطاء الذين يرون بأعينهم خصوم الأمس وأطراف الصراع يعملون معاً من أجل اليمن وأبنائه ومستقبلهم المشرق.. غير أن هذا التفاؤل يفقد بريقه ويخالجه الكثير من التشاؤم والخوف من المستقبل، لمجرد أن نشيح بأعيننا عن جلسات الحوار.. لنرى مايجري حولنا من أحداث مؤسفة تحيل حياتنا إلى جحيم وأحلامنا إلى كابوس مزعج يجثم على أنفسنا لدرجة تجعلنا نشعر أن مانراه في قاعة فندق موفمبيك لاعلاقة له بالواقع- الواقع الذي يملأه العنف والفوضى والخراب.. وأن الوطن لازال ينزف أشلاء ودماء ودائرة الانفلات الأمني تتسع كل يوم لتلتهم الوطن كله.. وبين فرحة التفاؤل وألم التشاؤم نقف لنسأل أنفسنا: ماالذي يجري في اليمن الحبيب.. حوار وتسامح وتصالح أم هو حرب واقتتال وصراع محتدم..؟ من هم المتحاورون في داخل القاعات، ومن هم المتقاتلون خارجها؟! أين هم المتحاورون من أعمال العنف والتقطع والخطف وتعطيل المصالح العامة والخاصة.. واقتحام مؤسسات الدولة ومكاتبها في أكثر من محافظة، وأين هم من أعمال التخريب لشبكة الكهرباء وأنبوب النفط..؟ ماعلاقة بعض أطراف الحوار فيما يجري في تعز وحجة وعدن والحديدة.. إلخ..؟ وإن كان هؤلاء المتحاورون قد اقتنعوا بالحوار ونبذ العنف، فلماذا لايتم تحديد الطرف الذي يقف وراء هذه الجرائم ومحاسبته؟.. والأهم من هذا أين الأجهزة المعنية في حكومة الوفاق التي تكتفي بحصر القتلى وتوثيق التفجيرات والاختطافات فقط؟ وأين هي الحكمة مما يجري في يمن الحكمة؟.