وصف الدكتور عبد الله الأشعل مساعد وزير الخارجية المصري السابق نتائج اجتماع وزراء خارجية دول الحصار الرباعي بالقاهرة بالفضيحة مكتملة الأركان. وثمن الأشعل دور الدبلوماسية القطرية في إدارة الأزمة، حيث ركزت على مخالفة تلك الإجراءات للقانون الدولي ومحاولتها النيل من سيادة قطر، وفي المقابل أبقت الباب مفتوحا أمام حوار حل الأزمة، مؤكداً أن وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني ألحق الهزيمة بوزراء دول الحصار. وفجر الأشعل مفاجأة من العيار الثقيل حين كشف عن أن هدف الحصار هو تمرير التطبيع الساخن والسلام الدافئ بين إسرائيل وعرب الاعتدال دون أي معارضة من قطر الداعمة لحقوق الفلسطينيين التاريخية، وبدون فضح "الجزيرة " له. وإلى نص الحوار.. ترقب الرأي العام نتائج المؤتمر الصحفي لدول الحصار ولكن ما جرى خلال المؤتمر جاء غير متسق مع حملات التحريض ضد الدوحة وما سبق ذلك من تهديدات بإجراءات عقابية صارمة؟ ما جرى خلال اجتماع وزراء الحصار الأربعة فضيحة بكل المقاييس، فحالة التحريض الإعلامي والسياسي التي كرستها دول الحصار الأربع ضد قطر، والتسريبات الخاصة بتجميد عضويتها في مجلس التعاون الخليجي، وما تردد عن دعوة وزراء الخارجية العرب للبحث في طردها من الجامعة، عزز الاعتقاد بأن اجتماع الوزراء الأربعة سيشهد حالة من إعلان الحرب على قطر، ولكن ما جرى من الاكتفاء ببيان باهت وضعيف، أظهر حالة الارتباك الشديدة، والفشل الدبلوماسي غير المسبوق، بل وغياب الرؤية، وهو ما كان واضحا في أداء الوزراء، حيث شعر الجميع بأن البيان باهت، وجاء بتعليمات عليا دون التشاور مع الوزراء. تبعية لترامب كأنك تشير في هذا السياق إلى الاتصالات التي أجراها ترامب بالسيسي والملك سلمان قبيل دقائق من استقلاله الطائرة متوجهاً إلى بولندا؟ بالطبع فالبيان جاء استجابة لرغبة ترامب المفاجئة، وهو ما ظهر جليا في ارتباك وزير الخارجية المصري خلال قراءة البيان، ومجمل الأمر أن قرارات الحصار والمقاطعة التي اتخذت ضد قطر أطلقت رصاصة الرحمة على القرار الخليجي والعربي، حيث مكنت الرعونة الدبلوماسية والفشل السياسي لدول الحصار من هيمنة واشنطن على القرار، وجعل الرأي العام يشعر أن هذه العواصم مجرد أدوات تابعة لإدارة ترامب، لا يملكون من أمر سيادتهم شيئا، في الوقت الذي يحاولون فيه النيل من سيادة قطر. ذر الرماد في العيون لكن ما تتحدث عنه من فشل وإخفاق دفع الوزيرين شكري والجبير لاحقاً لإطلاق تصريحات عنترية حول استمرار التصعيد ضد قطر ومنع السفن القطرية من المرور في قناة السويس؟ هذه التصريحات ما هي إلا ذر للرماد في العيون ومحاولة لاستمرار خداع الرأي العام، فحديث الجبير عن التصعيد محاولة لتجنب تداعيات الفضيحة الدبلوماسية السعودية، باعتبار دورها المحوري في الأزمة، ومحاولة الوزير لنفي تبعية القرار السعودي لرغبات إدارة ترامب، أما حديث وزير الخارجية المصري عن منع السفن القطرية من المرور في قناة السويس، فهو مخالف للقانون الدولي. قناة السويس هل لك أن تفسر لنا كيف أن قرار منع السفن القطرية من المرور في قناة السويس مخالف للقانون الدولي؟ بالطبع، فقناة السويس ممر مائي دولي، ولا تستطيع مصر منع سفن أي دولة من المرور فيها، وبالتالي فالموقف مجرد محاولة لإلهاء الرأي العام المصري عن التعليمات التي صدرت للنظام، من قبل ترامب بالكف عن التصعيد والحفاظ على الاستقرار في منطقة الخليج، باعتباره مصلحة للقوى الكبرى بامتياز. حديثك عن ارتباك وفشل دول الحصار يقودنا لتقييم أداء الدبلوماسية القطرية منذ بداية الأزمة إلى الآن. أداء الدبلوماسية والمؤسسات القطرية كان رائعا، حيث نجح وزير خارجية قطر الشاب، أن يُلحق الهزيمة بالدول الأربع ووزرائها مجتمعين، ويُظهر عجزهم وارتباكهم أمام العالم، فهو وعبر كلمات واضحة ومحددة وتركيز رفيع لمخالفة كل ما جرى ضد قطر للقانون الدولي، ألقى الكرة في ملعب السعودية وتابعيها بغير إحسان، وبذلك نجحت الدبلوماسية القطرية في تحويل دول الحصار إلى دول محاصرة، وهو ما ظهر بقوة في الدعم والتضامن من جانب عواصم أوروبية مؤثرة وفي مقدمتها باريس وبرلين ولندن وغيرها، ناهيك عن رفض الأممالمتحدة لكل الإجراءات التي اتخذت ضد الدوحة، بل واعتبر المفوض السامي لحقوق الإنسان المطالب ال13 مستفزة ومخالفة للقانون الدولي، وتتضمن هجوما غير مسبوق على حقوق الإنسان وحرية الرأي. نجاحات دبلوماسية بشيء من التفصيل، ما أبرز النجاحات التي حققتها الدبلوماسية القطرية خلال الأزمة؟ في البداية كان التركيز على مخالفة الحصار البري والبحري والجوي للقانون الدولي، ومخاطبة جميع المؤسسات الدولية بدءا من الأممالمتحدة ومؤسساتها المختلفة، ومنظمة التجارة العالمية، والتلويح بمقاضاة دول الحصار عالمياً، مع التركيز على أن السيادة القطرية المستهدفة من وراء المطالب الاستفزازية، والتي قدمت لترفض بحسب تعبير وزير الخارجية القطري، فضلا عن الرفض القطري للمطالب ال13 والذي عبر عن دبلوماسية راقية، حيث لم يوصد الباب أمام التسوية بل أبدى استعدادا للحوار كسبيل لتسوية الأزمة، وهو مسلك جذب تعاطف أغلب دول العالم مع قطر، ومنها دول مرتبطة بمصالح مع الرياض وأبوظبي، بل وطالبت هذه الدول بإنهاء الحصار فوراً، بشكل جعل الدبلوماسية القطرية تخرج رابحة من الأزمة، حتى قبل أن تكتب كلمة النهاية. ما الذي يمثله حصار دولة مجاورة وطرد رعاياها في القانون الدولي؟ دعنا نؤكد أن الحصار المفروض على قطر لم تتوقف تداعياته الكارثية فقط على العلاقة بين العواصم الأربع، بل شهد جريمة ضد الشعب القطري في تقطيع الصلات والأرحام بين الشعوب من أبناء البيت الواحد، وتفتيت الأسر المشتركة، وطرد المواطنين القطريين والطلاب المقيمين في دول الجوار، وصياغة قوانين تجرم التعاطف مع قطر وفرض عقوبات غير مسبوقة على المتعاطفين، كل ذلك يمثل انتهاكا للقانون الدولي العام والإنساني، بل ويصل إلى مرتبة جرائم الحرب، بشكل يعطي لقطر طبقا للقانون الدولي الحق في مقاضاة تلك الدول وإلزامها بالتعويض. أسباب الحصار يرى مراقبون أن حصار قطر يخفي الأسباب الحقيقية لأزمة لم يتحدث عنها أحد؟ بالفعل فكل ما جرى مع قطر يهدف لإسكات صوتها الداعم للحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، ومنعها لأي توجه يهدف لتصفية القضية الفلسطينية، فكلنا يعرف أن المنطقة على أعتاب موجة تطبيع غير مسبوقة، بين ما يطلق عليهم عرب الاعتدال وإسرائيل، مشفوعة بسلام ساخن لا يضع في الاعتبار حقوق الفلسطينيين. وللأسف من يسعون لتسويق وتمرير هذا السيناريو يرغبون في تمريره دون معارضة، حتى لو اقتصرت على الجانب الإعلامي، وهذا ما جعلهم يحاولون إسكات صوت قطر الداعم للفلسطينيين، ومعه صوت الجزيرة لما له من تأثير كبير في تشكيل الرأي العام، وهو سيناريو سكتت عنه دول الحصار ولم تنطق ببنت شفة، رغم أنه السبب الأهم في تفجير هذه الأزمة. تسوية عاجلاً أو آجلاً بعض التسريبات تحدثت عن سيناريوهات لتسوية الأزمة سواء عبر الوساطة الكويتية أو عبر مبادرة أمريكية.. برأيك كيف ستتم هذه التسوية ؟ بصراحة لا يمكن تجاهل الدور الأمريكي في تفجير هذه الأزمة، فترامب لم يكد يغادر الرياض حتى بدأت الحرب على قطر، ومحاولة تمزيق الصف الخليجي وتحويل مجلس التعاون إلى ركام، باعتباره الكيان العربي الوحيد الباقي، وهو ما تحقق بالفعل في الأزمة، فمجلس التعاون لن يعود كما كان، والعلاقات بين قطر ودول الحصار لن تتمتع بالدفء كما كانت، ومن هنا أؤكد أن الوساطة الكويتية والدور الأمريكي سيكونان فاعلين في تسوية الأزمة. وأعتقد أن تسوية الأزمة ستتم إن عاجلا أم آجلا، عبر إقناع الطرفين بضرورة تقديم تنازلات متبادلة تحفظ ما تبقى من ماء وجه الكيان الخليجي، وتقطع الطريق على إيران للاصطياد في الماء العكر، وهو أمر سيحظى بموافقة الجميع، فدول الحصار بدأت تشعر بخطأ ما اقترفته، وفي المقابل قطر تبدي استعدادا لتسوية مع الأشقاء لا تمس سيادتها، وعلى وقع هذه التطورات ستتم التسوية. الجزيرة أخيراً.. نقل عن دبلوماسيين مصريين سابقين انتقادات حادة للطريقة التي تمت بها صياغة المطالب ال 13 ضد قطر واعتبروها مخالفة لأبسط تقاليد الدبلوماسية المصرية ؟ بالفعل فالصياغة التي تمت بها المطالب ال13 تعكس نوعا من العجرفة والصلف والغرور، حيث اشتملت على أسلوب حرق المراحل، فليس من العرف الدبلوماسي أن تضع البيض كله في سلة واحدة، وتستنفد خط الرجعة، فاللهجة التصعيدية التي اشتملت عليها المطالب، أوصدت على دول الحوار إمكانية تقديم تنازلات، دون أن تواجه استنكارا داخلياً وإقليمياً ودولياً، فليس من اللائق أبداً أن يطلب من قطر قطع علاقاتها مع طهران، في وقت تحتفظ فيه عواصم خليجية بعلاقات كاملة معها!! وليس من المقبول طبقا للعلاقات الدولية أن تُطالب قطر بإغلاق القاعدة التركية، بينما هناك قواعد عسكرية أخرى في دول الحصار، أما الفضيحة مكتملة الأركان فتتمثل في المطالبة بإغلاق الجزيرة، والذي يمثل اعتداء غير مسبوق على حرية الرأي، وفشلا واضحا في مقارعة الحجة بالحجة.