اتفقت الولاياتالمتحدةوروسيا على أن تتيح الحكومة السورية ترسانتها من الأسلحة الكيمياوية لاطِّلاع المفتشين الدوليين تمهيداً للتخلُّص منها. وحدَّد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في جنيف إطاراً من ست نقاط، تقوم بموجبه دمشق بتسليم قائمة كاملة بما لديها من أسلحة كيمياوية خلال أسبوع. وأكد الوزير الأمريكي عقب محادثات مكثَّفة استغرقت ثلاثة أيام على التزام واشنطن وموسكو بالتخلُّص من هذه الأسلحة في أسرع وقت ممكن وبأكثر الطرق أمناً. وأشار كيري إلى أن الاتفاق يمكن أن يصدر في صورة قرار للأمم المتحدة يدعمه تهديد بفرض عقوبات أو استخدام القوة حال عدم الالتزام به. لكن لافروف قال إن الاتفاق المقترح لم يتضمن أية إشارة للاستخدام المحتمل للقوة إذا لم تلتزم الحكومة السورية ببنود الاتفاق. وأوضح الوزير الروسي أن منظمة الأسلحة الكيمياوية التابعة للأمم المتحدة يجب أن تقر الاتفاق الأمريكي- الروسي قبل وضع الجدول الزمني لتنفيذه.
وقال كيري إن الهدف هو الانتهاء من تدمير الأسلحة الكيمياوية السورية كافة بحلول منتصف 2014.
جولة حافة الهاوية أفول الإمبراطورية الأميركية لم يعد مسألة نظرية أو ترفاً سياسياً مغلفاً بتمنيات ورغبات المناوئين لها.. إن تجليات "غطرسة القوة،" الناعمة والعسكرية، التي سعى لممارستها بشدة مؤخراً الرئيس أوباما أفضت إلى خيبة أمل لم تلمس نهايتها بعد، وتلقّي المؤسسة الحاكمة بكافة أركانها صفعة تلو أخرى إصابتها في صميم استراتيجيتها بحكم عدم انتظام الأزمة السورية إلى إيقاعات استراتيجية الهيمنة التي اعتادت عليها طويلاً، وتصدّع مراكز القوى الداخلية والخارجية التي كانت تعول عليها. المواجهة الأخيرة التي توَّجتها "المبادرة الروسية،" بشأن ترتيب إشراف دولي على الأسلحة الكيميائية السورية، كان لها وقع الصدمة على كافة أجنحة ومؤسسات صناعة القرار، سيما بعد إحساس الرئيس أوباما أن الكونغرس بمجلسيه لا يبدي حماساً لشنِّ عدوان على سورية أو لدعم توجه يعرض القوات العسكرية لآفاق مفتوحة في ساحة ملتهبة وحيوية، ناهيك عن الذرائع الجاهزة زماناً ومكاناً، بل تركه وحيداً في لحظة حرجة للغاية من المواجهة الدولية هو في أمسِّ الحاجة إلى وحدة الموقف واصطفافهم خلفه.. ربما الصدمة الحقيقية تجلَّت في رفض أميركي عام لتقبل واقع دولي جديد في طور التشكيل ينهي سيطرة وهيمنة القطب الواحد، خاصة وأن روسيا التي نهضت من كبوة انهيار النظام السابق، في ظل أجواء أميركية تكنُّ مشاعر عداء متأصِّلة ضدها منذ الثورة الشيوعية لعام 1917، أضحت نداً بامتياز باستطاعته التأثير في وجهة النزاعات على المستوى الدولي ويسترد المبادرة من الطرف الأميركي، وهو الذي ما برح يتغنَّى بها. "هل ستجد الولاياتالمتحدة نفسها في مواجهة مرحلة (تراجع) وانسحاب من شرق السويس،" في إشارة لأفول الإمبراطورية البريطانية، بات موضوعاً متداولاً كما جاء في يومية "فورين بوليسي،" إحدى مكونات الركائز الأيديولوجية للمؤسسة الحاكمة، هذا التداول لا يقتصر على بعض أدبيات النخب الفكرية، ولم تعهده الولاياتالمتحدة، بل كانت تستخف وتشوِّه كلَّ من يقترب من هذه المقاربة التاريخية إلى وقت قريب. في هذا الصدد، لسنا مع المعسكر المفرط في التفاؤل الذي يرى أن الولاياتالمتحدة شارفت على الهزيمة والانسحاب، الأمر الذي يجافي الواقع الملموس، بل ينبغي تلمُّس الوقائع والإقرار بالدور التاريخي الذي أسست له سورية، بفضل صمودها وتماسك حلفائها وأقرانها وصفاء الرؤية التي تحلَّت بها، مما أفضى إلى تبلور معادلة دولية مغايرة، وامتداد إرساء معادلة إقليمية جديدة أيضاً، تمهيداً لعالم متعدد الأقطاب الذي انتعشت حتمية بروزه بعد تجذُّر وتماسك دول البريكس، سيما وأن سياساتها الاقتصادية الأكثر دراية أنقذتها من الأزمة المالية الطاحنة التي اجتاحت الغرب والنظام الرأسمالي عامي 2008-2009. أوباما كممثل لقمة الهرم السياسي أدرك مبكراً البعد الدولي في الصراع على سورية وسعى لإزالتها كدولة وموقع ودور ومؤسسات، وتهيئة المناخ الإقليمي لتثبيت الاستراتيجية الأميركية في المنطقة ودرة تاجها، "إسرائيل،" وترك إدارة الحرب لدول خليجية وإقليمية خشية التورط مباشرة وحرصه على الوفاء بوعوده الانتخابية لإنهاء التورط الأميركي في الحروب.. ودُفِع أوباما سريعاً لاتخاذ موقف حاسم والتدخل العسكري المباشر، أثمر في تهديده ووعيده بخط أحمر يحذر تجاوزه.. وأمام تصعيد خطاب الحرب والتدخل وجد أوباما نفسه أمام حائط مسدود من الخيارات في "اللغز السوري الذي خلقه بنفسه ببراعة،" كما تندَّر به عدد من الساسة والمحللين. "الخط الأحمر" لم يثمر إلا معادلة صفرية تهدد ليس شعوب المنطقة فحسب، بل تدحرجها سريعا إلى آفاق دولية غير محددة المعالم تنذر بحرب عالمية ثالثة، وانقلب تهديد الرئيس أوباما إلى توسُّل لأطراف دولية وللكونغرس لإعانته على إيجاد مخرج لمأزقه.. عند هذا المفصل، أدرك أركان المؤسسة الحاكمة كم هي عميقة وممتدة معارضة التدخل العسكري وعلى رأسها كبار القادة العسكريين في البنتاغون، والصدمة المباشرة التالية لأوباما كانت في مجلسي الكونغرس على الرغم من طغيان وهيمنة "الحليف الأول للولايات المتحدة في المنطقة" على أعضائه، وتغليبه "المصالح القومية الأميركية" على الاعتبارات الأخرى. ربما من المفيد التذكير ببعض العوامل التي ساهمت مجتمعة في إبعاد شبح الحرب وترحيله إلى مكان آخر، أهمها ما برز من معارضة فعالة داخل صفوف ممثلي الحزبين على السواء، ربما امتثالاً للضغط الشعبي الذي سئم الحروب وتجرَّع من كؤوس تكاليفها وأهوالها وإهمال أحواله الاجتماعية والاقتصادية، والمعارضة المتنامية داخل صفوف القادة العسكريين والذي لم يعد مجرد تكهن وتحليل، فضلاً عن مناخ الانتخابات النصفية القادمة التي سيتأثر بها كامل أعضاء مجلس النواب، البالغ عددهم 435 ممثلاً.. زعامات الكونغرس من الحزبين سعت مجتمعة إلى إخطار الرئيس أوباما للعدول عن تقديم اقتراحه بالتفويض إلى مرحلة التصويت، إذ كان سيلقى خسارة حاسمة. بداية، الخلاف والصراع بين الولاياتالمتحدةوروسيا اتخذ بعداً تصاعدياً جديداً مع عودة روسيا بقوة إلى الساحة الدولية مستندة إلى متانة اقتصادها، بخلاف سلفها الاتحاد السوفييتي وحال الولاياتالمتحدة الراهن، وتنامي قوتها العسكرية بمعدلات أقلقت واشنطن وساهمت في بلورتها لاستراتيجية "الاستدارة نحو آسيا،" لتطويق روسيا والصين معاً.. من هذه الزاوية، ينبغي النظر إلى دعوة الرئيس أوباما لروسيا مؤخراً لعب دور بارز في بلورة صيغة حلّ للأسلحة الكيميائية السورية، سبقها مساعٍ عسكرية أميركية متعددة لفحص الجهوزية العسكرية لروسيا في مياه المتوسط وسورية معاً. المعلومات المتوفرة بشأن التجربة الصاروخية فوق مياه المتوسط لا توفر أرضية لنقاشها وتقييمها، سيما وأن الطرفين العظميين آثرا الصمت وعدم الإدلاء بأية معلومات مفيدة.