ماذا نصنع مع صاحبنا القديم فلان؟ قلت: الرأي عندي أن ندعه، فذلك خير له ولنا، بعد الذي صنعناه من قبل بدون فائدة.. المسكين في رأسه مخ لا يعمل، اكتفى بتلك الصحبة التي تعرفها، وهم أبلد منه، مكنهم من مصيره، وقراراته بيدهم، يقولون فيسمع، ويشيرون فيطيع، هذا يوجهه شمال وذاك يمين، وذاك يشير عليه فيضره، وهو وراءهم وراءهم، بعدهم بعدهم.. وسيظل يتخبط ما دام معمعيا.. ثم هو محبط للغاية، والمحبط يشغلك بنفسه وبمشاكله وبهمومه، ويشغلك عن عملك وعيالك، ويحبطك معه.. فدعه لمن حوله من الأصحاب الذين ارتضاهم، وهم قد تكفلوا له بالنصائح التي أربكت حياته العملية والأسرية.. فدعه، دعه يا صديقي ما دام مستريحا لهم ومعهم وبهم. قال: أشفق على أسرته من اضطرابه وتخبطه، وأخشى أن أراه ذات يوم يهيم في الشوارع، أو اسمع أنه انتحر، أو ارتكب جريمة مزلزلة. قلت: أما أسرته، فحقها علينا واجب، والحمد لله أننا لا نزال قادرين على مساعدتها، وأما هو فكل ما خشيت منه عليه وارد، وفي كل الأحوال رجل هذا حاله، وتلك صحبته سينتهي أمره إلى مصير جريح القرود. قال: ما حكاية جريح القرود؟ قلت: هذه سمعتها من أستاذنا عبد الحفيظ النهاري، كنا نتحدث عن مؤسسة صحفية ناجحة و آل حالها إلى الحضيض من كثرة القرارات المتخبطة والمتناقضة والمربكة التي جاءت من هنا وهناك، من الذين كانوا يعتقدون أنهم بذلك يساعدون على تطويرها، فخربت نهائيا.. فقال أستاذنا هي مثل جريح القرود.. قلنا له: كيف: فقال: إن القرود إذا كان بينها قرد مصاب بجرح، تشفق على صاحبها وتساعده على الشفاء بطريقتها، وهو لا يمانع، بل يستسلم.. حيث يبادر كل قرد إلى المساعدة بالطريقة التالية: واحد يضع في الجرح عشبة، وآخر يضع فيه ورقة، وآخر يحشوه ترابا، ورابع يدخل فيه عودا، وهذا النوع من المساعدة يؤدي إلى بقاء الجرح داميا، ويزيد في سعته ونزفه، وفي النهاية يموت القرد الجريح! ورجعت إلى صديقي أقول له: إن أسوأ ما في الأمر أن يكون الجريح إنسانا ويرحب بهذا النوع من المساعدة.. فهل فهمت يا صاحبي، لماذا علينا أن ندع صاحبنا القديم في حاله مع صحبته؟ لا نريد أن نكون مثل تلك القرود، أو ننظم إلى أصحاب صاحبنا القديم.. حتى لو تقبل المساعدة بالطريقة نفسها التي تفرض على جريح القرود.