عند كل واقعة ومأساة تحل بالشعب والوطن , تعصف بنا عواصف الاتهام المتبادل بين أطراف الصراع السياسي حول المسئولية عن هذه الكارثة أو تلك , فكل طرف يرى خصمه مسئولاً عن وقوعها أو مسبباً لها , أو مقصراً في مسئوليته تجاهها , أو متواطئاً فيها إن لم يكن هو مدبرها ومنفذها . هذه الحالة السائدة في اليمن والمتجددة دائماً , تؤكد لنا أن أطراف الصراع السياسي تخوض مكايداتها بمآسينا , وتلعب بهذه المآسي علينا , غير أن الأخطر في هذه الحالة ما يلي : (1) غياب السلطة المحايدة في تعاملها مع الوقائع والأحداث , والحكم عليها بالقانون والعدل وهذا ما يدفع كل طرف إلى تبرئة ساحته باتهام الآخرين , وبه تضيع الحقيقة ويهدر الحق ويغيب القانون والعدل . (2) إن تسييس الجرائم يؤكد غياب سلطة القانون من جهة , ومن جهة أخرى يجسد غياب القيم الديمقراطية في نظام يجمع التعددية السياسية على القبول بالآخر والاحترام المتبادل , فكل طرف يجرم الآخر ولا يحتكم للقانون . (3) إن هذه المكايدات بين الأطراف السياسية تقتل الحقيقة كما تزيف الوعي وتدفع مقترفيها إلى افتراء الكذب واختلاق الإفك وتصرفنا عن معرفة الوقائع وتطبيق سيادة القانون على مقترفيها وإقامة العدل عليها . (4) استمرار هذه الحالة يوفر الفرص الكافية لقوى أخرى متربصة باليمن لارتكاب جرائم وفواحش يذهب بها الكيد السياسي بعيداً عن إجراءات التحقيق ورقابة القانون وحكم العدل . وهناك نتائج سلبية أخرى لهذه الحالة من الاتهام المتبادل بين القوى السياسية , أهما التأكيد على الوجه الأخلاقي لازمة هذه القوى , والمتمثل بانعدام الثقة بينها , وهو , أي انعدام الثقة بين القوى السياسية , ما يثير قلق الشعب ومخاوفه المشروعة من مكائد صراعها وعواقب مكرها يبعضها , ووقوعها جميعاً في مستنقع الافتراء والإرجاف الإعلامي في بينها وضد بعضها بقصص تتصدر عناوين وسائل الإعلام هي من نسج الخيال وباطل الظن والأوهام . ماذا سيضر هذه القوى إن هي احتكمت إلى القانون وقبلت بتحقيق نزيه ومحايد ينظر فيه القضاء ويحكم فيه بأمر العدل والإحسان ويجنبنا مخاطر الفتنة ومصائب الافتراء والأكاذيب؟ لن يضرها شيء بقدر ما سينفعها هذا الفعل , ويعود على الوطن والشعب بخير الحقيقة وأمن العدل , فلماذا تضل بنا الأهواء عن طريق آمن وصائب وتنحرف بنا إلى ضلال الشائعات وفتن الكذب المحمول على الاتهامات المتبادلة بين القوى السياسية ؟