لا نظن أن هناك من عانى من سوء الاستغلال السياسي والانتهازية الحزبية أكثر من أولئك الشباب الأنقياء، الذين تأثروا بما جرى في بعض البلدان العربية، فخرجوا للتعبير عن تطلعاتهم في الحصول على فرص العمل وغير ذلك من المطالب، التي تفاعلت معها القيادة السياسية والحكومة بشكل إيجابي، غير أن أحزاب اللقاء المشترك لم يرق لها تفهم الحكومة لمطالب الشباب، فسارعت إلى تطويق ساحات الاعتصامات بعناصرها من رجال القبائل وجماعات الإخوان المسلمين وطلاب جامعة الإيمان، فضلاً عن الموالين لها من الخارجين على النظام والقانون أو ممن يتبعون تنظيم القاعدة الإرهابي أو المتورطين في جرائم فساد مالي وإداري وتم إزاحتهم من أعمالهم نتيجة فسادهم، لتفرغ مطالب الشباب من مضمونها وغاياتها المشروعة. وبعيداً عن سوء التأويل واجتزاء الوقائع، والافتراء على الحقائق وجد الشباب أنفسهم أمام أمرين، إما الخضوع والارتهان لأجندات أحزاب اللقاء المشترك ومشروعها الانقلابي على الشرعية الدستورية والديمقراطية وإرادة الشعب في صناديق الاقتراع، وإما مغادرة تلك الساحات والعودة إلى منازلهم، وهو الخيار الذي أخذ به الغالبية العظمى من أولئك الشباب باعتبار أن ذلك هو أقل الضررين. ولذلك فإن من تبقى في الساحات ليسوا سوى حزبيين وعناصر قبلية وتخريبية ومتطرفة منتمية لأحزاب اللقاء المشترك أو متحالفة معها، ولا علاقة للشباب بهم، ولا بالمشاريع التي يسعون إلى تحقيقها. ومن يشكك في هذه الحقيقة عليه أن يدلنا أو يدل الآخرين على ما يخالف هذه الحقيقة. وطالما أن من يقومون بالاعتصامات هم من كوادر وأحزاب اللقاء المشترك أو من المتحالفين معها يتم تجميعهم من مختلف المديريات وطالما صار الأمر معروفاً ومكشوفاً، أليس من الغريب والمريب أن تظل هذه الأحزاب تمارس التضليل والخداع عبر وسائل الإعلام بزعمها الكاذب أن ما يعتمل في الشارع اليمني هو ثورة شبابية سلمية على غرار ما جرى ويجري في بعض البلدان العربية في حين أن كل الشواهد تتصادم مع هذا الطرح وتدحض أي ارتباط بين ما يعتمل في اليمن وما تشهده بعض الساحات العربية..؟. ولو أن وسائل الإعلام، والفضائيات تحديداً، استقرأت الشارع اليمني بحيادية وتجرد وموضوعية وأمانة صحفية تتجاوز الحسابات المسبقة والأهواء الذاتية لخرجت باستنتاج دقيق يؤكد أن الحال في اليمن مختلفٌ كلياً ولا مجال للمقارنة ولا وجه للشبه بين معطيات هذا الواقع وبين الحالات الأخرى، ولأدركت هذه الوسائل أن من يحركون بعض الفعاليات الاحتجاجية أحزاب سياسية فشلت في الوصول إلى السلطة عن طريق الانتخابات وصناديق الاقتراع في دورات انتخابية شتى آخرها انتخابات عام 2006م، فعمدت إلى ركوب الموجه ونشر الفوضى والتحريض على العنف والتخريب لعلها تحقق ما سبق وأن فشلت فيه عن طريق الديمقراطية. والمؤسف أن هذه الأحزاب قد استمرأت التضليل والافتراء والكذب والزيف إلى درجة أنها صارت تكذب الكذبة وتصدقها، فهي تطالب بدولة مدنية ديمقراطية عصرية يحكمها النظام والقانون والدستور، فيما كل تصرفاتها وأفعالها وممارساتها تتعارض مع هذه المحددات، بدليل أنها ترفض الاحتكام للديمقراطية بما في ذلك إجراء انتخابات مبكرة تشرف عليها أطراف محايدة، كما أنها ترفض الالتزام بالدستور والامتثال لقواعده لإخراج الوطن من أزمته الراهنة، وترفض التوقف عن الحديث باسم الشباب الذين سرقت أحلامهم ومطالبهم وتطلعاتهم حتى تظهر أنها أمينة مع نفسها ومع الآخرين. فمن يقبل أن تصبح الديمقراطية رديفاً للفوضى والعدوان على الأنظمة والقوانين؟ ومن يقبل أن يصبح الاعتداء على الكهرباء وقطع الطريق وسفك الدماء وإزهاق الأرواح البريئة من لوازم حرية الرأي والتعبير، ومن يقبل أن يغدو تجاوز الخطوط الحمراء الضامنة لأمن واستقرار اليمن ووحدته الوطنية وسلمه الاجتماعي أمراً مباحاً لكل النفوس المريضة والحاقدة لتعبث بهذا الوطن كما تشاء؟ وبعد كل ذلك من سيقبل بأحزاب تسعى جاهدة إلى اغتصاب السلطة من الشعب؟!.