لأول مرة تحدث هذه الفضيحة الكبيرة.. أسئلة اختبارات وصلت إلى طلاب الثانوية العامة في عموم الجمهورية، و»ساربوا» عليها في محلات الانترنت، ومحلات التصوير، بعد أن قالت وزارة التربية والتعليم إنها نقلت الأسئلة بسرية تامة عبر سرب من الطائرات.. لكن تبيَّن أن الأسئلة سارَبَت بالليل، وظهرت عند فجر أمس الثلاثاء، وغير معروف بعد من المسرب، ومن أين كانت المسربة، هل في مطابع الوزارة، أم الكنترول، أم كانت اللجنة العليا للاختبارات ذات مسربة؟ نعم.. لقد ألغت وزارة التربية أمس اختبار طلاب قسمي الثانوية العامة في مواد الجبر، والهندسة والجغرافيا، في كل المحافظات، وأجَّلت موعد الاختبار إلى نهاية الشهر، بعد أن سُرِّبت أسئلة تلك المواد، وقال زير التربية إنه سيسرِّب لجنة للتحقيق في التسريب، ومن الله العون في الوصول إلى أسراب المسربين.. قبل هذه الفضيحة المدوية التي عرفتها اليمن لأول مرة، كان الغش في اختبارات المرحلتين الأساسية والثانوية العامتين كثيراً ومنظَّماً، ورأينا مشاهد لذلك تشبه مهرجانات الاحتفال، وحسبكم أن الأيام الأولى للاختبارات كانت أيام غش يغش، وخلال هذه الفترة القصيرة قالت وزارة التربية إن 300 تربوي سوف يُحالون للتحقيق لأنهم غشَّشوا.. هذا بالنسبة للتربويين الذين يلقنون الطلاب والتلاميذ حديث «من غشنا ليس منا»، أما الطلاب وأولياء أمورهم، فما أكثرهم، لأن الغش أصبح من حقوق الإنسان في بلد مغشوش. الكبار في الأعلى يغشون، ومن الطبيعي أن يتسرَّب الغش من الرأس إلى بقية الأعضاء، السياسيون يغشون، ورجال الدين يغشون، ويلقون على الناس دروس الغش، والمثقفون يغشون، والتربويون غشوا، ويتكسَّبون بالغشوش، لذلك أصبح الغش أخلاقاً عامة، التاجر يغش، والطبيب يغش، والتلميذ يغش، وطالب الثانوية العامة يغش، ووالداه يحثانه على الغش لكي يحصل على معدلات نجاح تؤهله لمنحة خارجية أو داخلية، أو لكي يقبل في الكلية الجامعية المرغوب بها.. وأذكر هنا أني سألت واحدة من قريباتي قبل أيام عن ولدها، فقالت إنه سافر يختبر في مدرسة بمديرية طور الباحة، ومنذ سنوات اعتاد آباء وأمهات- من قريتي وقرى مجاورة- على تسجيل أولادهم في مدرستين، واحدة في طور الباحة والثانية قريبة منها في القبيطة، وهما مشهورتان بالغش والتغشيش، ومن يختبرون هناك كلهم يحصلون على معدل ثمانين وتسعين وما فوقهما، وبعضهم حصلوا على منح في جامعات مصرية، ورجعوا يوم ثالث لأنهم غير صالحين للتحصيل الدراسي، ولذلك لا جدوى من الغش في العلم، يا خلق الله.