يوم15 تموز (يوليو)، وتحت عنوان "الدفاع الأخلاقي عن الطائرات بلا طيار"، كتبسكوت شين، مراسل الأمن القومي في صحيفة النيويورك تايمز: "... قد يكون مفاجئاًأن تجد بعض فلاسفة الأخلاق وعلماء السياسة والمتخصصين في الأسلحة، وهم يعتقدون بأنالطائرات من دون طيار توفر مزايا أخلاقية ملحوظة قياساً مع أي من الأدوات الحربية الأخرىتقريباً". أولاً، يجب أن لا نندهش أبداً عندما نجد أن صحيفةالنيويورك تايمز تستطيع استخراج خبراء ليقولوا أي شيء تريد قوله عملياً. أولم تنبشالأرض بحثاً عن أولئك الذين قالوا لنا إن صدام حسين كان يمتلك أسلحة نووية؟ الثانية،كلما استخدمت الصحيفة كلمة "بعض"، فإن ذلك يعني عموماً أنها تلقت معلوماتتفيد بأن الأرضية قد تهيأت، في هذه الحالة مع ضابط سابق في سلاح الجو (الذي يدرس الفلسفةفي كلية الدراسات العليا البحرية)، ومع رئيس سابق لنائب رئيس وكالة المخابرات المركزيةلمكافحة التجسس، وأستاذ العلوم السياسية، أفيري بلاو، مؤلف كتاب "استهداف الإرهابيين؟رخصة للقتل". وتوجد لدى شين مشكلة يحلها بفطنة ماكرة: فيبدأبإثارة موضوع القانون والسيادة، وآثار الراديكالية، ومخاطر الانتشار النووي (في ثلاثجمل قصيرة)، ثم يتحول بسرعة إلى الإقرار بأن "معظم المنتقدين" قد "ركزواعلى الدليل بأن (الطائرات من دون طيار) إنما تقتل المدنيين الأبرياء من غير قصد".وهو لا يقدم أي دليل على أن معظم الانتقاد قد تركز على موضوع الضرر الجمعي، لكن هذايسمح له بالتحرك إلى نقطة التركيز في المقال: "إن الطائرات من دون طيار تقتل مدنيينأقل من أنواع أخرى من أدوات الحرب". وفعلياً، يركز المنتقدون على عدد واسع من المواضيعالمتعلقة بالطائرات من دون طيار. فهل يعد استخدام الطائرات من دون طيار في بلد لسنافي حالة حرب ضده، وبلد يعارض استخدامها، انتهاكاً للقانون الدولي؟ وهل يعد استهدافشخص شكلاً من أشكال عقاب الإعدام خارج الدائرة القضائية؟ وهل يعد قتل مواطنين أميركيينانتهاكاً لضمان الدستور الأميركي عقد محاكمة من جانب هيئة قضائية مشكلة من أبناء جلدةالمواطن؟ وهل يعد استخدام الطائرات المسلحة من دون طيار من جانب البيت الأبيض تجاوزاًللدور الدستوري للكونغرس في إعلان الحرب؟ وهل ينتهك دور (السي أي ايه) في توجيه الطائراتمن دون طيار نصوص ميثاق جنيف ضد المدنيين المنخرطين في صراعات مسلحة؟ لكن، ولغاية النقاش من أجل النقاش، دعونا نركزعلى النقطة الخاصة بالإصابات في صفوف المدنيين. فوفق شين، وجد أستاذ الفلسفة أن"الطائرات من دون طيار تقوم بوظيفة أفضل في تحديد مكان الإرهابي، وفي تفادي إلحاقضرر جمعي على حد سواء، مقارنة مع أي شيء لدينا". ويضيف شين أن مشغلي الطائراتمن دون طيار "يستطيعون حتى تحويل وجهة صاروخ بعد إطلاقه إذا وجدوا مثلاً أن طفلاًيتجول في مدى الصاروخ". إنها لمسة جيدة عن الطفل. لكن، وطبقاً لمكتبالصحفيين الاستقصائيين المتمركز في لندن، فإن الطائرات من دون طيار قتلت، منذ شباط(فبراير) هذا العام، نحو 60 طفلاً من بين 282 إلى 535 مدنياً. وثمة تقديرات أخرى تضعوفيات المدنيين عند أرقام أعلى بكثير. لكن، وكما تشير التايمز، فإن نسبة القتل التيتكبدها المدنيون عندما استولت باكستان على وادي سوات من طالبان باكستان، وعندما تذهبإسرائيل لمطاردة حماس، هي أعلى بكثير. ثم، نقلاً عن مسؤول السي أي أيه: "انظرإلى قصف دريزدن بالنار، وقارنه بما نفعل اليوم. باختصار، يجب أن يكون المدنيون ممتنينلأنهم لا يخضعون للوحشية التي يمارسها الجيشان الإسرائيلي والباكستاني، أو يقصفون بالنارليطويهم النسيان؟". ويتفادى شين ذكر الجزء الرابع من الإضافات الملحقةبمواثيق جنيف (1977) حول حماية السكان المدنيين "من آثار الأعمال الحربية".وتقف المادتان 49 و50 لتكونا ذاتي صلة على نحو خاص. وبشكل خاص، نجد أنهما تختصران بالنصحقيقة أن "الأهداف العسكرية" فقط هي التي يمكن استهدافها. وفي الأثناء، يفشل الخبير الأمني في التايمزفي ذكر أن سياسة "ضربات التوقيع" التي تعني أي شخص يحمل أسلحة أو يوجد فيمنزل يستخدمه "المتشددون" هي لعبة مشروعة ونزيهة. وتعد "ضربات التوقيع"انتهاكاً صريحاً للمادة 50: "إن تواجد الأشخاص الذين لا يندرجون في إطار التعريفالخاص بالمدنيين بين ظهراني السكان المدنيين لا يحرم السكان من شخصيتهم المدنية". ومن الطبيعي أن أحداً من بيننا لا يعرف المعاييرالتي تستخدم لتحديد ما إذا كان أحد ما "متشدداً" أو "إرهابياً"؛لأن إدارة أوباما ترفض نشر الاستنتاجات القانونية التي تحدد تلك الفئات. وفي اليمن،ثمة العديد من "الإرهابيين" المستهدفين من الذين ليسوا أعضاء في "القاعدة"،لكنهم انفصاليون جنوبيون ما يزالون يقاتلون من أجل إعادة تأسيس جمهورية جنوب اليمن.وفي عموم الأحوال، يجري قتل الناس فيما لا نتوافر على أي فكرة حول الكيفية التي انتهىبها المطاف بهؤلاء الناس إلى الحكم عليهم بالإعدام. وعلى سبيل المثال، من الواضح أن محاولة إنقاذأناس بعد توجيه ضربة من جانب طائرة من دون طيار أو المشاركة في تشييع جنازة أولئك القتلى،تعد مخالفة كبيرة. ووفق مكتب الصحافة الاستقصائية، فقد قتل نحو 50 منقذاً وأكثر من20 مشيعاً. وترتبط العديد من هذه القرى الصغيرة المستهدفة بروابط قربى متينة؛ حيث تجدأن المساعدة على الإنقاذ أو تشييع الميت هي تقاليد ثقافية قوية وراسخة. وقد ينتهي المآلبالشخص الذي يتصرف كقريب لشخص ما يعرفه البيت الأبيض بأنه "عدو" بأن يكونميتاً. وفي بعض الطرق، تعد وفيات المدنيين بمثابة الرجلالقشة، ليس لأنهم غير مهمين، ولكن لأن "المنتقدين" ركزوا على عدد واسع منالقضايا التي أفرزتها الطائرات من دون طيار. ومن بينها كان التفكيك البين للدور الدستوريللكونغرس في الإعلان عن الحرب. وعندما أثار بعض أعضاء الكونغرس هذا الموضوع فيما يتعلقبالحرب الليبية، وما إذا كانت تتصل بقانون سلطات الحرب، حاججت إدارة أوباما بأنها لاتتصل بذلك، لأن عملية ليبيا لم تشتمل على "انخراط القوات البرية الأميركية، ولمتفض إلى سقوط خسائر أميركية أو توجيه تهديد لها". لكن، وكما يشير بيتر سينغر من معهد بروكينغز،فقد شملت العملية الليبية على نحو مؤكد "شيئاً دأبنا على التفكير بأنه حرب: نفخالمواد من الجو، والكثير منها". وكانت الحرب الجوية الأميركية هي المفتاح لإسقاطالقذافي. وقد نفذت الطائرات الأميركية والطائرات من دون طيار هجمات ووجهت الضربات التينفذتها الطائرات التابعة للتحالف. وأعاد الأميركيون تزويد طائرات التحالف بالقنابلوالصواريخ، كما وفروا لها تزويداً بالوقود في الجو. على ضوء التمدد الضخم لاستخدام الطائرات من دونطيار، كان تعريف الحرب مقتصراً على أعمال من المرجح أنها ستفضي إلى "خسائر"وفتح صندوق عجائب. ولدى الولاياتالمتحدة راهناً نحو 7000 طائرة من دون طيار، العديدمنها مثل "البريديتور" و"ذا ريبر" مسلحة. وفي الأثناء، تخطط وزارةالدفاع الأميركية لإنفاق حوالي 31 بليون دولار على صنع طائرات "بطيار عن بعد"مع حلول العام 2015، بالإضافة إلى أن سلاح الجو الأميركي يدرب راهناً المزيد من المشغلينعن بعد أكثر مما يدرب طيارين لمقاتلاته وقاصفاته. ومن الممكن أن يتم إطلاق الطائرات المسلحة مندون طيار لخوض حروب في شتى أنحاء العالم، وحيث تكون الإصابات والخسائر محددة ومقتصرةعلى حالات العطب الميكانيكي أو الطائرات البينية التي تتجول قريباً جداً من نظام معادللطائرات. وبموجب تعريف البيت الأبيض، فإن ما فعلته تلك الطائرات من دون طيار، والأطرافالتي عملت ضدها، ليسا أموراً من شأن الكونغرس. ما الذي يوجد في الدستور ويعطي سلطة تقرير الحياةوالموت لرئيس الولاياتالمتحدة بالنسبة للمواطنين الأميركيين؟ لم يكن رجل الدين الأمريكي-اليمنيأنور العولقي معجباً بالولاياتالمتحدة، لكنه ليس ثمة استنتاج عام بأنه ارتكب شيئاًغير قانوني على الإطلاق. ورغم ذلك، فقد قتله صاروخ "هيل فاير" أطلقته عليهطائرة من دون طيار في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. وبعد أسابيع قليلة، قتلت طائرةأخرى من دون طيار نجله المولود في دنفر، والذي كان له من العمر 16 عاماً، عبد الرحمنالعولقي، والذي كان يبحث عن والده. وكان إبراهيم البنا هو هدف تلك الضربة. لكن، وكماقال أحد المسؤولين الأميركيين للتايم، فقد كان الابن متواجداً "في الزمن الخطأوفي المكان الخطأ". ويعد ذلك التصريح في حد ذاته انتهاكاً صريحاً للمادة 50 منالمواثيق الدولية. إلى ذلك، يتساءل العالم السياسي في جامعة تكساسإل باسو، أرمين كرسينان، قائلاً: "إن السؤال هو: هل يكون القتل مبرراً دائماً..ليس ثمة مسؤولية عامة عن ذلك". وكانت ضربة اليمن قد فجرت حالة غضب عارم في ذلكالبلد، كما فعلت ضربات أخرى وجهتها طائرات من دون طيار. ويقول، بهذا الصدد، إبراهيمالمهنا؛ المؤسس المشارك لحزب الوطن في اليمن: "هذا ما يفسر حقيقة أن تنظيم القاعدةفي شبه الجزيرة العربية هو أقوى بكثير اليوم في اليمن قياساً مع ما كان عليه قبل سنواتقليلة". وثمة الكثير من المنتقدين الذين يثيرون الكثيرمن الأسئلة التي تصعب الإجابة عنها، وتراهم يركزون على ما هو أكثر بكثير من مجرد الإصاباتوالخسائر في صفوف المدنيين (رغم أنه موضوع جدير بالبحث والتأمل في حد ذاته). ولا تقتصرالقضية "الأخلاقية" بالنسبة للطائرات من دون طيار على الأطر التي تحددهاالنيويورك تايمز. وعلى أي حال، فإن الموضوع ليس أخلاقية الطائرات من دون طيار، فهيعديمة الأخلاق حتماً. كما أنها لا تتوافر على سياسة ولا على فلسفة. إنها ببساطة آلياتقتل معدومة الروح ولا ترحم. وإنما تتعلق الحالة الأخلاقية موضع البحث بأولئك الذي يحددونالأهداف ويدوسون على الأزرار التي تحرق الناس الذين لا يعرفون نصف العالم البعيد.
*كاتب مساهم في "بلا أمل: باراك أوباماوسياسة الوهم والسراب".