أين أنت يا الله!! ينادونك، وهم مؤمنون أن دعوة المظلوم ستصل أسرع من الصواريخ الإسرائيلية.. طفلة امتلأ جسدها بالشظايا، وأصبحت تنزف من كل مكان، كأنها غربال، وما زالت تتمسَّك بحقها في الحياة وهي تتشبَّث بقميص الطبيب، وملء عينيها توسلاتٌ تذرف أمامها عيون الطبيب. يا لملامح هذه الطفلة التي جعلها الخوف تشيخ، وكأن الزمن بأكمله اختبأ بداخل عينيها!! كأن هذه الطفلة تريد أن تتبرَّع بدمها المسفوك لكل العرب والمسلمين الذين لم تعد تحرِّكهم مشاهد الأطفال، وأعضاؤهم المبتورة، وآمالهم ودفاترهم وحصالات نقودهم المبعثرة على الإسفلت والمدفونة تحت الأنقاض، لاعتيادهم على هذه المشاهد، وقدرتهم على نسيانها بسرعة. وأبٌ يحمل طفله بين يديه ويجري به إلى عربة الإسعاف.. كان ذاك الأب يدري أن رأس ابنه الصغير مفتوح، وأن نصف دماغه قد تناثر، وأن طفله قد فارق الحياة.. لكنه الذهول، وعاطفة الأبوَّة التي تجعل الأب يحاول أن يتمسَّك بكلِّ القشِّ الذي يملأ مخيَّلة الغريق، خشية الفاجعة التي سترغمه على تصديق أن ابنه مات. الآن العالم كلُّه يتحرَّك ويلعب دور الوسيط المحايد لأجل وقف إطلاق النار، كما يقول الصديق عصام السعدي، فهناك خسائر لدى جيش الاحتلال، وهناك الجندي "شاؤول آرون" الذي وقع في قبضة القسَّام.. غزة ومقاومتها انتصرت منذ الأسبوع الأول للحرب، وأهداف العدو التي تتغيَّر كلَّ يوم لم تتحقَّق، ولن تتحقَّق، والمقاومة عادت إلى قيادة الشارع الفلسطيني بالتفاف شعبي فلسطيني غير مسبوق، والسلطة الفلسطينية انكشفت كما لم تنكشف من قبل، والصمت العربي مخزٍ ومُدان، والعالم الغربي وأمريكا لم يغادرا مربع النظرة الاستعمارية لفلسطين، ودعاواهم في الحرية وحقوق الإنسان بان كذبها وزيفها عندما يتعلَّق الأمر بالعرب والمسلمين.