حين تذهب إلى حفل زفاف مليء بالمسلحين وأنت ترتدي ثوباً أبيض فقط، سينظرون إليك بعين النقيصة، وسيرونك نشازاً كما لو أنك من كوكب آخر!! يوم أمس وأنا أعدُّ البنادقَ المعلَّقة فوق أكتافهم قال لي أحدهم: مالك "مِسْرِيْ" وكأنك جاي من الخليج!! قلت له لا أحب أن ألبس الكوت والشال، وأيضاً الدنيا صيف.. فقال: أقلّ شي إلبس "عسيب"، منظرك مش حلو وأنت هكذا!! قلت له: ألم تكونوا تصرخوا حتى تشحب حلوقكم في ساحة الجامعة وأنتم تهتفون: مدنيَّة مدنيَّة!! كيف تفلِّت العسيب حق أبوك وجدَّك!! هكذا قيل لي.. ولأني فلَّتْ العسيب اللي كان يلبسه أبي وجدي، فقد استهترتُ بالقبيلة وبأعرافها، ولا شكَّ أن علي ولد زايد ساخطٌ عليَّ في قبره. أصبحت الرجولة محصورة في الكوت والشال والعسيب والشَّنب والغُرم, ومن تخلَّى عن واحدة من هذه الأركان الخمسة فقد باء بالانتقاص من رجولته والطعن في انتمائه، لأنه بكفره هذا يريد أن يقول لهم: أنا لم أعد منكم، ولا أنتمي إليكم. جرِّبوا أن يمرَّ يوم دون أن تلبسوا "عسيب"، ودون أن تربطوا رؤوسكم بشال الصوف ونحن في حرِّ الصيف، ودون أن ترتدوا الأكوات التي تعتبرونها عنواناً لهويَّتكم.. جربوا أن يمرَّ يوم دون أن تُحمِّلوا أنفسكم ما لا طاقة لكم به.. ولن يغضب عليكم أجدادكم. حين تكون بثوبك الأبيض فقط في حفل كهذا يرونك "نصّ رجَّال"، كما قال لي أحدهم.. وحين تحمل سلاحاً وتتمنطق بالجنبية أنت رجَّال وسيد الرجال!! كم يلزمنا من الوقت لنتحدَّث باسم الإنسانية وليس باسم الرجولة!! وكم يلزمنا من الجامعات والمدارس لندرك أن الرجولة ليست سوى خدعة في مجتمع لا يؤمن إلَّا بالذكورة ولا يقدِّس سوى القبيلة!!