مع تتالي اللحظات تتسع خارطة الصراع، ويرتفع منسوب الدم المسفوك، وتطول وتمتد طوابير الأرامل والأيتام والثكالى.. عند بوابة الضياع حتى تسد كوى ونوافذ الأمل بالتعافي.. لا أفق تلوح فيه بشائر النجاة لهذا الوطن المحاصر بوحشية الفوضى وانهيار مداميك القيم الإنسانية. عواصف الأكاذيب والحذلقة والزيف.. تجتاح الذهنية الجمعية، وتزلزل التفكير السوي، وتخنق أجنّة الآمال في رحم الأيام ليكون الغد نسخة لجنون الحاضر وطيشه وعبثيته وعدميته..!! وكأن الزمن اليماني مصنع جبار لإنتاج المآسي، وتنامي الأحقاد والاستهتار بقدسية الحياة، واستباحة كل قيمة جميلة.! إننا شعبٌ غائب ومغيب عن ساحات وميادين صناعة حياته، ومقصي عن منصة صناعة تقرير مصيره المختطف من قبل أشخاص انتهزوا بعض الفرص التاريخية، ووضعوا أيديهم على أدوات الفعل ومؤسسات الحكم، واختزلوا أداءها وجيروها لصناعة إمبراطورياتهم المالية والتسلطية على حساب لقمة وكرامة هذا الشعب الجائع المكدود الممزق في مواطن الاغتراب. هذا الشعب الذي هو بنظرهم ليس سوى شعب مصفّق لا يجيد غير الهتاف والإنشاد ب"حيابهم حيابهم"..! وهم الأوصياء وأصحاب الحق الحصري بتحديد مساحات وكيفية رقصه على إيقاع حاجاتهم وصراعهم وتناحرهم على المصالح والمكاسب المسروقة من مخزون الأرض وهبات السماء وصدقات الآخرين علينا وإثمان السيادة الوطنية التي يتفاخرون ببيعها بصفاقة تبعث على الاشمئزاز!! لقد أخفقت الأحزاب بيمينها ويسارها في أن تصنع جميلا يذكر في حياة الناس، بل إنها تحولت إلى أبواق في جوقات قتلة الآمال وسارقي أقوات سائر الشعب المنهك الذي ظن آثما أنها ستعبّر عن آماله، وتذود عن حقه في ممارسة حياته الطبيعية، ولو بأدنى حدودها.. شيوخ القبيلة اختطفوا الدولة باسم وقوة القبيلة، وأذلوا القبيلة واضطهدوها باسم وقوة الدولة، وجهّلوا أبناءها حتى لا يردم العلم كوامن الولاء والطاعة من وجدانهم لشيوخ اختزلوا الوطن والشعب والثورات والتاريخ والجمهورية والوحدة في شخوصهم وخزائن أموالهم! القوى والأحزاب الدينية الأشد تخلّفا ورجعية في التاريخ أصبحت ثورية لا يشق لها زيف، والانتهازية تجمع بين النقائض وتهز خصرها السياسي على كل دقة طبل، فهي تعتصم بلحية راسبوتين وتقسم بقبعة لينين، وتتدثر بجبة تروتسكي وتؤدي الصلاة خلف محمد المصطفى وخالد بن الوليد في شارع الستين.. ولا تخجل..!! لم يستبن المفكرون ولا عباقرة السياسة ولا فراسة الشعب انتهازية هذه الترويكا الدينية القبلية إلا البعض القليل، وبعد فوات الأوان. بقايا اليسار ويسار الوسط عالق في شباك الخوف من انفراط عقد التحالف مع تلك القوى خوفا بل وعجزا وعدم قدرة على ممارسة وجودها باستقلالية؛ نتيجة اغترابها الطويل عن جماهيرها وأنصارها، ونتيجة لبياتها الطويل في حاضنة المشترك. بل إن كثيرا من رموز اليسار أغمض عينيه وغاص في مستنقع التحالف الديني القبلي واستلذ الاستمرار في الغوص، وبدأ بشهية جارفة يتكلم عن تغيير قادم في خارطة التأثير الوطني المبني على ضعف قبيلة حاشد وتنامي قوة قبيلة بكيل، كما ذكر الرفيق اليساري العمالي"أبو أصبع" في ندوة اشتراكية ذات أمسية رمضانية في محافظة"إب"!! أي عبث هذا؟!