تتسارع الأحداث في بلد الإيمان والحكمة ووصلت إلى مرحلة حرجة وصعبة وهناك أطراف مازالت تدفع بالأمور نحو الهاوية وسخرت كل وسائلها الدعائية والإعلامية وحشد كل أنصارها لهذا الغرض، وهي بذلك لا تعي خطورة ما تقوم به على البلاد وأمنه واستقراره. لقد أثبت اليمنيون أنهم أصحاب حكمة عندما تركوا السلاح واجتمعوا على طاولة واحدة في مؤتمر الحوار الوطني وخرجوا بوثيقة متميزة تؤسس لبناء دولة يمنية مدنية حديثة مبنية على الحرية والعدالة والشراكة في السلطة والثروة. يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات ولا يجب أن يعودوا إلى المربع الأول يحلون قضاياهم بالعنف والسلاح، فهذا الطريق أثبت فشله ولن يستطيع أي طرف تحقيق أي مكسب عبر هذا السلوك. ما يدور الآن في اليمن من وجهة نظري هو النزع الأخير لأصحاب المصالح الذين لا يروق لهم العيش إلا بإثارة الفتن والمشاكل والقلاقل من أجل تسويق بضاعتهم الحقيرة، فكلما رأوا تقارباً انزعجوا وكلما حدث تحاور ضاقوا وحاولوا إفشاله، وهؤلاء الناس موجودون في كل مكان وزمان ومن الواجب علينا جميعاً عدم الإصغاء إليهم ولمخططاتهم الإجرامية الرامية إلى جر البلد إلى العنف والتدمير. لقد أعجبني تصرف الرئيس هادي وحكمته في التعامل مع موضوع التظاهرات والاعتصامات التي تقوم بها جماعة الحوثي، فقد كان الرجل متوازناً من خلال إرسال فريق للتفاوض معهم وإبقاء باب التفاوض مفتوحاً، لكنه في الوقت نفسه أعلن أن الدولة لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه أي إخلال بأمن واستقرار البلد، وفي اعتقادي أن الرئيس بإرساله هذه اللجنة يأتي من منطلق مسئوليته كرئيس لكل اليمنيين ويجب عليه الإصغاء والإنصات لمتطلباتهم باعتبارهم جزء من الشعب اليمني ولو كانوا حتى ألف مواطن فقط لأنهم في النهاية يعبرون عن رأيهم واحتياجاتهم، كما أن مسئوليته تقتضي منه حماية البلاد من أي مغامرات لأي طرف أو مجموعة، وما تقوم به القوات المسلحة والأمن في محاربة تنظيم القاعدة يدخل تحت هذه المسئولية. إن ما تشهده صنعاء وبعض المحافظات من تظاهرات ومسيرات منددة بالإصلاحات السعرية والمطالبة بإقالة الحكومة وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني يندرج في إطار الحق في التعبير عن الرأي؛ إذا ظل سلمياً ولم يتحول إلى عنف وقطع للشوارع واعتداء على الممتلكات العامة والخاصة؛ لأنه حينها سيتحول إلى عنف وتخريب وخروج عن النظام والقانون وستنتهي المطالب المشروعة بهذا الشكل، وهناك ربما من يسعى إلى ذلك وعلى المحتجين استيعاب هذه القضية وأن لا ينجروا إلى مربع العنف وتستمر مطالباتهم سلمية حتى لا يستغلها أولئك. ومهما يكن، فهناك شبه إجماع من معظم الأطراف والقوى السياسية والاجتماعية على أن هذه الحكومة فشلت بامتياز في أداء مهامها المناطة بها ولم تحقق أي نجاح يذكر، وبالتالي يجب تغييرها بحكومة كفاءات وخبراء ينتشلون البلد من الأوضاع التي تعيشها، وكان يفترض أن يتم تشكيل هذه الحكومة عقب اختتام مؤتمر الحوار الوطني الشامل لتنفيذ مخرجاته أعتقد أن البلاد بحاجة ماسة إلى صوت العقل من أجل إخراجه من الأوضاع الصعبة التي يمر بها وليس إلى التأجيج وصب الزيت على النار، وإخراج المسيرات والمسيرات المضادة، فنحن لسنا بحاجة أن يبرز كل طرف عضلاته على حساب الوطن، فالخسارة ستكون على الجميع ولن ينجو منها أحد.. أفلا تعقلون؟!