غردت صديقتي الوحيدة في سماء "تويتر" عن الحب، وقالت إنها تخشى طوفان الكراهية الذي يتفجر من كل زاوية وركن في هذا الوطن الحزين، وتساءلت: هل يمكن أن ينجح اليمنيون في تجاوز حواراتهم الثقيلة والكف عن المزايدات واللعب بأوراق السياسة حرصاً على طفلها الذي توشك أن تضعه في أية لحظة؟ -أجبتها: يا صديقتي لا أحد يثقل كاهلنا سوانا، منذ دعا جدنا الأول على أرضنا وخيرنا وباعد بين أسفارنا صرنا كفئران "مأرب" ننهش أقدارنا بأسناننا وننشب أظافرنا على جروحنا فننكأها ولا نستطيع أن نهدأ إلا بطعم الدم ينساب من أشداقنا.. لسنا خبثاء، لكننا عُملاء بالفطرة!. -يخون اليمني أرضه وأهله، ويبيع كل شيء لقاء حفنة من المال، وترى الخلق مشدوهين لذكاء هذا الرجل الخطير. يمنون أنفسهم لو كانوا كمثله (!!)، في مؤتمر الحوار الوطني تتنوع الجذور والمحتويات وتتحفنا قناة "العربية" السعودية بحوارات شبه يومية لقادة الانفصال الجنوبي الذين يعتقدون أنهم يرعبوننا بمطالبهم الوحشية. -قبل أن تمتد يد البشر إلى الطبيعة. كانت مدرسة "الغاب" التي يأكل القوي فيها الضعيف، تعلمنا الوحوش فيها أن لها قوانينها الخاصة التي لا تسمح بهلاك جنس معين من أجناسها الضعيفة أو القوية، وترفض الوحوش المفترسة تدمير طبيعتها وأرضها وأوطانها وإحراق أوكار المبيت وعرائن النوم، ولما تدخل البشر لإشباع رغبتهم الأكثر وحشية في صيد الأسود والغزلان وإنشاء حدائق الحيوان الافتراضية في أوساط المدن التي تعج بالكراهية ومصانع إنتاج القنابل الانشطارية المخيفة. قرعت "الغابة" أجراس الخطر وانقرضت أجناس الحياة فيها وهاجر القوي قبل الضعيف بحثاً عن وطن لا يسكنه البشر، وجبالاً لا يلوذ إليها الإرهابيون، وأشجاراً لا يقطعها الطامعون في التوسع على حساب الكائنات الأخرى. -و هكذا هي بلادي كما وصفها شاعر اليمن الجليل: عبدالله البردوني متسائلاً "ماذا أحدث عن صنعاء يا أبتِ مليحة عاشقاها السل والجربُ ماتت بصندوق وضاح بلا ثمنٍ ولم يمت في حشاها العشق والطربُ" بل مات العشاق وخمدت أصوات الحياة وزغاريد النسوة أيها "الرامي الأعمى"، لقد تركتنا وفي أحداقك الساكنات ألف وجه ووجه لكن ربيعنا ما أزهر وحياتنا خلت من كل أعراف النمو وتضحيات الخالدين. -تراهم في "مؤتمر صناعة المستقبل" يحدثونك عن الماضي ويتزاحمون لرفع أعلام الانفصال الشطري، يزايدون ليكسبوا رهان التحالفات، يكشرون عن أنيابهم في وجه من لا ناب له ولا أظافر ليدافع بها عن نفسه، يقولون أن علينا أن نعتذر عن حرب الجنوب، وما حاربنا.. أقسم لك أيها الراحل الجميل أننا كنا أطفالاً تسكننا معالم الفرح وتستوعبنا تناقضات الخوف من أصوات الرصاص ووميض الصواريخ المحرمة التي سقطت على رأس صنعاء فأحرقت البيوت وهتكت الحب في مضاجع النوم، ولم نشأ أن نرفع أصابعنا المرتجفة في وجه شعب مازال ارتباطنا بهم غضاً طرياً كيلا ننكئ جرح العداوات، وبقينا يحدونا الأمل في صناعة وجه أجمل لليمن، فجاء الفائزون بما لم نطقه جميعاً، وأوسعونا جحيماً وفساداً، حققوا أشياء جميلة بأيديهم هُم، وتركونا بلا شيء إلا الفتات، صنعوا اقتصادهم من عرقنا وبنوا قصورهم من قوتنا، وأخرجوا النفط وقال شيخهم الماكر إنه حافظ عليه وحماه من أيدي (عفاش)، وما حماه ولكنه كان (الحرامي) الذي يمنح الدولة ما يتفضل به، لتنهب منه وترسل إلينا ما يقوم أصلابنا. -هؤلاء الذين نهبوا الأرض والماء والخيرات يقتلون بعضهم بدمنا ويرسلون أجسادنا إلى محارقهم دفاعاً عن غرورهم، ولا نكاد نفهم أننا دائماً الضحايا "قالوا هم البشر الأرقى وما أكلوا شيئاً كما أكلوا الإنسان أو شربوا". -بلادي نسخة من حياتي مليئة بالظلم والفقر والآهات ونقص حاد في الحنان، أعوض كل شيء بالنظر إلى المستقبل وفي رحمة الله، إلا أن من يحكمنا على الدوام لا يريد لنا أن ننظر إلا من خلال عينيه، ولا نستشرف شيئاً إلا بأمله، ولا يمكن أن ينال قلبه قسطاً من الرحمة، فمثله لا يرحم.. ونحن مازلنا على أوساخنا نحاول أن نكبر لنمارس الخيانة ونمد أيدينا إلى الخارج. نقبض ثمن الدمار ونزوّر ماضينا. نزايد على واقعنا المرير، ونبيع ما بقي من المستقبل. وإن لم نرحم أنفسنا فلن يرحمنا أحد! وإلى لقاء يتجدد