لكثرة ما تعرضت صورة الكلاب للتشويه في الثقافة الشعبية، صارت أكبر سبة أن تقول لشخص: أنت كلب، أو يا كلب.. إذ لم يتبق من ثقافة الكلب سوى أنه نجس، وإذا ولغ في إناء أحدكم فليغسله سبعا، إحداهن بالتراب، وهذا مكتسب من ديانة اليهود التي تعتبر الكلب والمرأة والقمر والحمار يساريين شريرين.. لكن بالله عليكم من الكلب، ومن هي الكلاب المكلبة، ومن الكلابين، ومن الذين استكلبوا، ومن المصابون بجنون الكلاب؟ الكلاب العجماء، أم هذه الكلاب البشرية فئة أبو دقن، وأبو جهاد؟ يبقرون بطون الكلاب ويحشونها مواد متفجرة تفتك بالناس، وهم مطمئنون أنهم يفعلون الصواب، وما بقي سوى أن يعلنوا أن الانتحاري المرحوم حظي في الآخرة بمائة كلبة حور حين.. في بغداد كانوا يستخدمون الحمير والمجانين والمصابين بمرض التخلف العقلي، يلبسونهم أحزمة ناسفة، ثم يتتبعونهم، فإذا دخلوا وسط سوق أو مجمع للناس فجروهم بوساطة الريموت كنترول، وفي الفلوجة كانوا يحشون جثث القتلى، فإذا اقترب منها المسعفون أو رجال الصليب أو الهلال الأحمر فجروا ما بداخلها.. عندنا قد تقدموا خطوة، حيث استكلبوا، أو استعروا، واستخدموا الكلاب، وأكيد في فقهاء كلابين مكلبين سوغوا لهم ذلك.. واللوم على هؤلاء وأتباعهم، وليس على الكلاب العجماء التي تستحق تضامننا، فهي خير منهم وأنفع وأرحم. ثقافة الكلاب الحقيقية أو غير المغشوشة تقول لنا إن الكلب كائن مخلص نقي، فاضح اللصوص، ومطارد الإرهابيين، وهاتك ستر القتلة، وحارس أمين، ونابح "الطراق"، وأول من صعد إلى الفضاء.. الكلبة الروسية"لايكا" أو"كودريافكا"، أول كائن حي يسافر إلى العالم الخارجي يكتشف غموضه، على متن مركبة فضائية، وأول من دار حول الأرض، قبل أكثر من ستين سنة، وتحديدا في بداية نوفمبر 1957.. ثم ماتت الكلبة "لايكا" فداء للإنسان.. فمن الكلب العقور يا قوم؟ والكلب أيضا عند قدامى العرب وعند غيرهم، رمز الوفاء، حتى أن الشاعر العباسي علي بن الجهم عندما أراد مدح الخليفة المتوكل خاطبه بالقول: أنت كالكلب في حفاظك للود.. وكالتيس في قراع الخطوب"! على أن الصورة المشوهة للكلب في مركبات ثقافة المتآخرين، لم تظلم الكلب وحده، بل ظلمت كثيراً من الحيوانات، وقد ظلمتها لكي ترقي من قدر البشر، بينما بعض البشر أسقط وأحط من ذلك.. الثعلبان مثلا، متهم بالمكر، بينما لا شيء على وجه الأرض أمكر من البشر.. ويقول لك: فلان حربائي، متقلب متلون مثل الحرباء تغير جلدها.. بينما لبعض الناس مائة جلد، وخمسة وجوه، وعشرة رؤوس، ومائة لسان.