قرأت في الأخبار أن كلابا مسعورة تهاجم الناس في بعض مديريات أبين، فقلت: وما العجب؟ فمن كثرة قتلى الحروب والهجمات الإرهابية هناك لابد أن تكون الكلاب قد تعودت نهش لحوم البشر، كما لا عجب أن تنهش الكلاب المسعورة 180 شخصا في حجة، مات منهم 10 خلال الشهور الستة الأول من هذا العام، ومن المحويت وتعز والحديدة وشبوة وغيرها تأتينا أخبار المسعورين وضحاياهم، حتى ليخال للمتابع أن البلاد تكاد تتحول إلى أرض مكلبة، بينما هي خالية من لقاح داء الكلب! لا عجب.. فنحن نعيش في زمن استكلب وسعر فيه كثير من البشر بفضل تفشي السموم المذهبية والسياسية، والقمامات الثقافية، وأمراض الكراهية والحقد والتعصب، والإرهاب، فهذه كلها جعلت السعار ينتشر بين البشر، بعد أن كان من خصوصيات الكلاب العقورة. لعل الحرب الدينية أو المذهبية في صعدة اليوم هي أجلى مظاهر هذا النوع من السعار، الذي بلغت ضراوته حد التحشيد والتجنيد من مختلف المحافظات تحت رايات الكراهية والمذهبية، حتى قيل إن عدد المحشودين من عدن وحدها وصل إلى 400 سني، لمقاتلة الشيعة الروافض في صعدة! الذين سعروا أزمة من أجل التغيير، لم يعد التغيير مطلبا لهم، بعد أن أوقدوا بالشباب المغرر بهم والمخدوعين الذين يشعرون اليوم أن أسعارهم كانت بخسة.. نرى أولئك اليوم في كل محفل، وهم في حالة سعار دائم.. لقد بقوا كما هم وفي أماكنهم بدون تغيير.. لم يتغيروا، بل إنهم يقاومون كل بادرة أو مبادرة تحدث تغييرا أو تجديدا في المجتمع بأسره، واستغلوا تلك الحالة من التغيير التي تتيح لهم التعبير عن سعارهم، وتزيح من أمامهم المعوقات التي كانت تحول بينهم وبين أكل لحوم البشر، والانتقام غير المبرر، والعصف بمصائر الآخرين، وإقصاء الجميع. ولكن، مثلما لسعار الكلاب العقورة، التي تنهش المواطنين في أبينوحجة وصعدة وتعز والمحويت وغيرها، لقاح -وإن لم يكن اليوم متوافرا بالحد الأدنى بسبب استهتار الحكومة بحياة المواطنين-، فإن زمن الاستكلاب والسعار البشري سوف ينقضي، ليس لأن الزمن جزء من العلاج، بل لأن القمامات الفكرية والمذهبية والسياسية سوف تكنس رويدا رويدا بنور المعرفة، وبوعي المواطنين الذي بدأ في التحسن، والإرهاب والإقصاء والكراهية، ليست قوانين طبيعية تصمد إلى الأزل، بل آفات تنطق عن المصابين بها وتفضحهم أمام الخلق الذين يعتبرون، ومن يعتبر كفيل بهزيمة كل أنواع السعار.