خطيب الجمعة، الأسبوع الماضي، كان يقول: "واهجروهنَّ في المضاجع، واضربوهنَّ"، ويوصي بعدم استشارتهن في شيء، ويؤكد أنه ما أفلح قومٌ ولَّوا أمورهم امرأة، لأنها خُلقت من ضلع أعوج، وأنها سبب خروجنا من الجنة، وهي السبب التي جعلت هابيل يقتل أخاه هابيل!! وحين يتخاصم مع أولاده وزوجته، معاً، لا بد أن يقول: إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم.. هذا الأسبوع بدأ الخطبة بقوله "استوصوا بالنساء خيراً"!! و"رفقاً بالقوارير"، وأسهب في شرح معنى القوارير، وقال إن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- كان أول حديثه في خطبة الوداع يوصي بالنساء. كأن الخطيب، هذا الأسبوع، قد سوَّى الخلاف مع زوجته، لأنه معتاد أن ينقل مشاكله الزوجية إلى منبر المسجد.. فحين صعد إلى المنبر حمد الله وأثنى عليه وقال: الحمد لله الذي جعل لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودَّة ورحمة!! لا أدري كيف يسوِّغ لنفسه كلَّ هذا التناقض.. أدري أن ما يقوله واردٌ في كتاب الله وسنة نبيه، صلى الله عليه وسلم، ولم يأتِ من عنده بشيء، لكنه يوظِّف النصوص القرآنية والنبوية لصالحه، وليوصل صوته إلى زوجته عبر المايكروفون القريب من بيته. يتحدَّث في خطبة الجمعة عن هجر النساء وضربهنَّ، ثم يتحدَّث في الجمعة الثانية عن الرفق بالحيوان ويقول إن لكم في كلِّ كبد رطب أجراً، ويورد قصة الرجل الذي نزل البئر وملأ خفَّه بالماء ليسقي الكلب!! المستمع العادي سيرتبك تجاه تناقض هذا الخطيب، أما المتلقِّي المثقف والقارئ فهو حصيف ولن تنطلي عليه تناقضات الخطيب الذي يسحب مشاكله معه إلى المسجد بدلاً من أن يقفل عليها في بيته، ويحاول أن يحلَّ خلافاته مع زوجته بعيداً عن المسجد وتسميم أفكار الناس وتحريضهم ضد نسائهم.