عقب فاجعة الثلاثين من مارس التي أصابت يريم وأدمت قلوب أبنائها جراء العدوان السعودي الجبان الذي استهدف منطقة باب الضورين وخلف 45 بين شهيد وجريح تواصلت معي العديد من المنظمات الخاصة بحقوق الإنسان والمتعلقة أعمالها برصد الانتهاكات الإنسانية ضد الأطفال والنساء وتم مدهم بالصور والتقارير والبيانات وكل ما يتعلق بتوثيق جريمة آل سعود، وبعد أيام شاهدت عبر الفضائيات تغطيات إعلامية لفعاليات احتجاجية في مختلف عواصم ودول العالم وراعني حمل المشاركين فيها لصور معظمها من وقائع جريمة قصف يريم وحينها شعرت بقليل من الهدوء الذي خالط الأسى المتحوصل داخلي كما انتابني شيء من الإحساس بالمسؤولية من منطلق كوني ناشط سياسي وحقوقي ومدني بعد رؤية صور التقطتها من وحي الجريمة ورأيتها شاخصة في أبصار البشر في كبريات العواصم العالمية.. إنه أقل واجب نقدمه كناشطين مدنيين وصحفيين حيال ما يتعرض له الشعب اليمني من عدوان لن ينسى على مر التاريخ .. إلا أني لا أدري كيف باستطاعة من رأى بأم عينيه جثثا متفحمة وأشلاء متطايرة لبشر من النساء والأطفال وكبار السن على هكذا وضعية أن يكتب وصفاً أو يعطي انطباعاً عن أبرياء ماتوا وذُبحوا وهم نيام فلم يعوا كيف غابت حياتهم وكيف انقطعت أنفاسهم وكيف فارقوا الحياة ..القضية فيها من الألم ما تذوب له الجبال في فجر دام باتت يريم تحت جبروت لحظاته الهمجية في ميقات قدسي يستجيب فيه الله لدعاء من يناجيه ويتوسل برحمته لإجلاء الهموم والغموم لتفزعنا في ذات الميقات فاجعة هزتْ مشاعر الإنسانية ورجّتْ مواجيد الوجود جراء قصف آلة الفتك الطاغية الباغية التي حصدت أرواح أطفال لم تكد أعينهم تتفتح على الحياة لتغمض أجفانها إلى الأبد إن كان هناك منهم من أمهلته صواريخ آل سعود وحلفائهم الجبناء أن يطبق جفنيه على عينيه ولم يُزهق وهي مفتوحة. ولعل ما تتعاظم له موجات الألم هو أن تصل بالجرحى إلى مستشفيات إمكانياتها لا ترقى إلى مركزية التمدين فلا لوازم تطبيب ولا إغاثة إسعافية يمكن أن تنجد حالات مصابة في حادث مروري فما بالك بإصابات ناتجة عن قصف أرعن ومجنون وبأسلحة فتاكة وعلاوةً على ذلك تنعدم وسائل نجدة هؤلاء فلا مطافي ولا فرق إنقاذ مؤهلة ومدربة الأمر الذي جعل من أتى لنجدة المقصوفين يتركهم عرضةً لأجيج أنضج جلودهم ونارا أعاقتْ إنقاذ من كان بالإمكان إنقاذه بسبب اتقاد ألسنتها المرتفعة الحرارة و التي حالت دون التمكن من الوصول إليه بشكل سريع.. إنهم يقصفون بلداً مقصوفاً أساساً بتردي الخدمات ويقصفون شعباً مقصوفاً بعدم توافر أدنى السُبل للعيش الآمن خارج الحرب، وإلا فما هي النتيجة المتوقعة له وهو اليوم فريسة حرب جائرة وظالمة وفوق ذلك كله عربية يا أمةً جهلت من سفالتها وانحطاطها الأمم!! همجية لم تشهد لها الأرض مثيل جعلت الناس سكارى فأوجعت أنفسهم وأوجلت قلوبهم أيما وجل، ولذلك كان المشهد أعتى من أن يوصف والحال أبلى من أن يُبلى لحظة رؤية أجساد نساء وأطفال اختلطت أشلائهم وامتزجت دماؤهم ببعضها جراء جريمة وحشية لن يغفر التاريخ لمن ارتكبها ولن تترك عدالة السماء معاقبة من اقترفها وصنع وقيعتها البشعة التي مازالت وستظل في ذاكرة الناس في يريم يعيشون كابوسها لأزمنة طويلة الأمد، وليرى الظالمون أي منقلب سينقلبون وعلى رأسهم آل سعود والله المستعان على صلفهم.