أما بعد.. أرجو أن تكون في مكان آمن؛ بعيداً عن النيران الصديقة، كما هي قياداتك الموزعة بين المنافي والسجون ومعسكرات القاعدة وغرف عمليات العدوان. أقول ذلك رغم أن شبحك يبدو لي دائماً تحت أنقاض المنازل، ووسط الحرائق، وأكاد أسمع أنينك في سكون الليل.. وأشم رائحة دمك! هل تتابع الإيجاز اليومي للمتحدث باسم "عاصفة الحزم"، وهو يحاول إقناعنا بأن الحوثيين هم المستهدفون من كل هذا الدمار وكل هذا الحقد المسلَّح؟! وهل تحاول أن تصدق، أو أنك مستعد لتحمل كل خسائرنا، بوصفها ضريبة يجب دفعها في حرب كهذه؟! أتفهَّم موقفك تماماً؛ ولا ألومك على تأييد العدوان ومباركة الخراب؛ فمن ناحية، لا يمكن للمهزوم أن يقف في وجه قوة عمياء تطوعت لتدمير خصمه، ومن ناحية أخرى فأنت لم تتعب في بناء مدرسة، ولم تبذل جهداً في تشييد مصنع أو تعبيد طريق، فقد كنت مشغولاً طوال خمسة عقود بتلحين الأناشيد وتخريج الخطباء والمجاهدين، وكنت منغمساً في مشاريعك الخاصة!! وإضافة إلى ذلك، فبعد سقوط الجناح العسكري الذي كان يتبنى فكرك، ويخوض الحروب معك ونيابة عنك، لم يعد يهمك أمر الجيش، سواء خلخلت بنيانه السيارات المفخخة، وتصيَّدت أبطاله كاتمات الصوت، أو دمره فاعل خير من الأعراب الطيبين!! عزيزي حزب الإصلاح: في أربعينيات القرن الماضي، كان في مناخة حاخام حكيم يدعى (يونس بن حبقوق)، استجاب لنداء "عامل حراز" وخرج بمعية أحد عشر يهودياً للاستسقاء مع المسلمين، بعد أن عمَّ الجدب وانقطع القطر. وعندما لامه بعض أبناء ملَّته، قال: "خرجنا ندعو رب موسى ومحمد أن يرحمنا مما نحن فيه، وإذا أمطرت فلن تمطر في أفواه المسلمين أو في دنان اليهود".. ربما كان يتحدث عن المصير الواحد والرب الواحد.. وفي كتب التاريخ شواهد كثيرة على أن المحنة كانت دائماَ توحدنا، مهما بلغت بنا الأحقاد. فإن لم تكن معنياَ- يا عزيزي- بمواجهة العدوان، كان بوسعك أن تلوذ بالصمت، وتعدّ نفسك لمرحلة ما بعد العاصفة، إن كنت راغباً في إضافة تجربة جديدة إلى رصيدك من الفشل. أما أن يبهجك الدمار، وتداوي جراح هزائمك بدماء الأطفال والنساء، وتتحول إلى مخبر، يدل الأحقاد المجنحة على شحنة زبادي أو ناقلة قمح أو على معهد تقني في عمق الريف، فقد ألبست نفسك عاراً لن يبلى، وكشفت أكبر عيوبك وسبب كل إخفاقاتك.. أقصد ضعفك في (مادة الوطنية)!! الوطن بالنسبة لك، هو حلم دولة الخلافة، هو فكرة عابرة للحدود التي رسمتها بريطانيا وفرنسا، ومتجاوزة للواقع المريض الذي خلفته إمبراطورية آل عثمان؛ ولهذا فأنت تعيش خارج الزمان والمكان.. مسجوناً داخل فكرة ميتة!! ومع هذا، كيف ستبني الوطن الكبير إذا تركت البغاة يهدمون بيتك؟! كيف تتشبَّث بوحدة المسلمين وأنت حرب على وحدة اليمن، التي أردت أن تطفئ شمسها عام90، ثم لطختها بالدم عام 94، وها أنت ذا تتآمر عليها الآن؟! عزيزي حزب الإصلاح: أشكرك لأنك قررت ألَّا تحمل السلاح في صنعاء، لكنك كنت تقاتل في الجوف وإب والبيضاء وتحشد في مأرب. أشكرك لأنك آمنت بالحوار، لكن إيمانك بالكلاشنكوف والأحزمة الناسفة أكبر وأشد عمقاً. هل تتذكر عندما هنأتك بالذكرى ال24 لتأسيسك؟ لقد قدمت لك يومها نصيحة صادقة: أن تضع تجربة الأربع السنوات الأخيرة في المشرحة وتحت المجهر؛ كي تستطيع أن تشخص عللك، وتتحرر من جماعات الضغط والابتزاز، وتنظف أياديك من الدماء، وتقطع الحبل السُّرّي الذي يربطك بالتنظيمات الإرهابية، وتتحول من جماعة دعوية- جهادية إلى حزب سياسي برامجي. وإني لأعجب، كيف تتغنى بالتجربة الأردوغانية، وتصر على عدم التخلي عن أسلحتك القديمة: العنف المقدس، والقتل الرحيم، والكذب الحلال الذي يمتد في سلاسل واهية مثل بيض الضفادع!! مرة أخرى، لا ألومك لأنك لم تفوِّت فرصة التخلص من جماعة حققت في أربع سنوات ما لم تستطع تحقيقه في أكثر من أربعة عقود. كنت سأُفاجأ وأصاب بالدوار إن رفضت العدوان، ورميت بكل ثقلك لمنع الاقتتال والعودة للحوار. شكراً لأنك لم ترتدِ قناعاً جديداً هذه المرة!!