كلما أمعنت في تأمل تفاصيل المشهد السياسي في وطني، تتبادر لذهني قصة الثلاثة الذين تنافسوا فيما بينهم على من يكون منهم أكثر خسة ونذالة في النيل من عجوز طاعنة في السن كانت تمر من أمامهم، فبادر الأول بتمزيق ثيابها ثم اغتصابها دون رحمة أو شفقة غير ملتفت لتوسلاتها وصرخاتها التي أسمعت من به صمم، بينما تولى الثاني ضربها ضربا مبرحا بكل ما وهبه الله من قوة مما جعل الدماء تسيل من كل أنحاء جسدها، بينما دخل الثالث في نوبة ضحك هستيرية وهو يصفق معلنا أنه الفائز في ذلك السباق المخزي لأنه أكثرهم خسة ونذالة دون أدنى شك، فلما سأله صديقاه وهما في قمة الدهشة والتعجب عن سبب ثقته ويقينه بتفوقه عليهما في الخسة والنذالة رغم أنه لم يمسس تلك العجوز أو حتى يقترب منها، فكان رده الصاعق لهما وهو مستغرق في ضحكاته الهستيرية والتصفيق الحاد لنفسه بأن تلك العجوز هي أمه التي أنجبته. هذا ربما يكون أدنى تشبيه ممكن لأولئك السفلة المتحلقين كالذباب على موائد اللئام، أولئك المرتزقة المأجورين الجبناء الذين تفوقوا بانحطاطهم الأخلاقي على كل الكائنات غير السوية في كوكب الأرض، بل وعلى كل ما خلقه الله من كائنات منذ بدء الخليقة وإلى أن يأذن الله بقيام الساعة، أولئك الذين كنا نظنهم شوامخ كالجبال الرواسي في وطني، فجاءت المحنتان التي مر بهما وطني في العامين 2011م و2015م ممحصة لهم فاضحة لأقنعتهم التي طالما أبهروا بها الآخرين، كاشفة لزيف معدنهم، مبينة لضحالة عقولهم، مظهرة للقاصي والداني ضآلة فكرهم ومعتقدهم، وأنهم ليسوا أكثر من عبيد يعرضون أجسادهم وأرواحهم وكل كياناتهم في أقذر سوق نخاسة لمن يشتريها ويدفع أكثر، وقديما قالوا لا تبكِ على من مات، ولكن ابك على من خف عقله، وهؤلاء لا يستحقون حتى الشماتة ولا حتى الرثاء، لأنهم لم يفقدوا عقولهم فقط، بل فقدوا كرامتهم ومرغوا أنوفهم في التراب، وانتزع الله الحياء من وجوههم فصارت هي ومؤخراتهم متساوية دون فارق يذكر. وأصدقكم القول إنني حاولت جاهدا أن أضع نفسي -والعياذ بالله- مكان أي من أولئك العارضين لذواتهم في سوق الدعارة السياسية من علية القوم، وبالذات ممن كانوا إلى ما قبل عدوان (جهال) آل سعود على وطنهم في مواقع قيادية متقدمة في اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام، وأقر وأعترف أنني فشلت فشلا ذريعا في التماس أي ذريعة يمكنني من خلالها تبرير موقفهم المخجل، حتى وإن وقعوا تحت ضغط تلقيهم تهديدات حقيقية مؤكدة بانتزاع أرواحهم هم وكل من يعولونهم. ومما يؤسف له أن الرئيس الصالح -وهو المشهود له بسجية الوفاء- كان وما يزال ومنذ العام 2011م يتلقى طعنات الغدر والخيانة ممن وضع ثقته فيهم فخانوا تلك الثقة وانقلبوا عليه وأداروا له ظهورهم، وهو الذي جعلهم أقرب إليه من الهواء الذي يلج إلى رئتيه، لكنهم آثروا سلامتهم الشخصية فنكصوا وتخاذلوا وخانوا قيم وأخلاقيات ومبادئ كنا نظنهم عنواناً لها، معتقدين أنهم يهربون للأمام، كلما وسوست لهم شياطينهم أن الكماشة تضيق أكثر وأكثر، وبدا لهم أنها تكاد تطبق على ولي نعمتهم الذي لولاه لما كان لأي منهم قيمة أو ذكر في العالمين. ذلك إن كان تفسير تبدل حال أولئك أنهم قد تعرضوا لترهيب شديد لا يطيقه بشر ولا يتخيله عقل، وفي مقابل تلك العصا الغليظة التي ربما كانت مسلطة على رقابهم وهاماتهم، كانت هناك الجزرة باليد الأخرى، من خلال تلقيهم عروضاً لوت أعناقهم وأسالت لعابهم بأرصدة خرافية وشيكات مفتوحة إن هم استجابوا وسبحوا بحمد سادتهم الجدد وساروا في ركابهم، ثمنا لتركيعهم وإسكاتهم لضمائرهم، وتخليهم عن قيمهم ومبادئهم وسقوطهم الأخلاقي المريع، هذا إن كان أولئك يمتلكون في الأساس أي قيم أو مبادئ أو أخلاقيات، فصاروا بين المطرقة والسندان، مجبرين بين ترهيب وترغيب، فباعوا آخرتهم بدنياهم، وجعلوا جنتهم في محياهم قبل مماتهم. ولست أدري هل مازال أولئك المتلونون قادرون على مطالعة وجوههم في المرآة كلما استيقظوا من منامهم بشكل طبيعي، دون أن تتملكهم رغبة جامحة في البصق على تلك الوجوه الكالحة، التي ارتضت أن تسجد لمن ملكوه ناصيتها، وسبحت بحمد من يملك المال والصولجان، في سوق دعارة بغيضة باعوا فيه أنفسهم قبل وطنهم، ويا له من ثمن بخس ذلك الذي قبضوه لقاء ذلك. وكم أتمنى رؤية وجوه أولئك الخونة لحظة الاستغناء عن خدماتهم، عندما تسود وجوههم، وقد أدركوا أنهم لم يكونوا أكثر من أوراق (تواليت) تقذف بكل ازدراء في سلة (القاذورات) بعد تنظيف سادتهم لأنوفهم أو مؤخراتهم بها، خصوصا بعد الصفعة الموجعة التي أخزى الله بها وجوه سادتهم من (جهال) آل سعود، برفض المجتمع الدولي تبني مخرجات مؤتمر تآمرهم المنعقد في عاصمة العدوان الأسبوع الماضي، وتبني الأممالمتحدة رسميا لما طرحه الرئيس الصالح من حوار في بلد محايد، وزاد على ذلك بتسمية (جنيف) مقرا لذلك الحوار المرتقب الذي دعا إليه في وقت مبكر، ويشاء الله أن تتم الاستجابة الحرفية دون قيد أو شرط للرؤية السياسية المطروحة من زعيم اليمن وباني نهضتها ومجدد وحدتها في التاريخ المعاصر. كما أنني لست أدري كيف يمكن أن يخطر ببال أولئك الخونة المتآمرين إمكانية أن يلوثوا بأقدامهم مجددا تراب وطنهم الطاهر، بعد كل ما فعلوه بحق ذلك الوطن من جحود ونكران لفضله عليهم، بل وتأييدهم ومباركتهم لسحقه وتدميره والإجهاز عليه، خصوصا وقد صاروا يحملون في ذمتهم وزر إزهاق أرواح الآ?ف من الأبرياء التي حصدها ذلك العدوان الغاشم، وأنات وأوجاع آ?ف مؤلفة أخرى من الجرحى والثكالى واليتامى جراء ما باركته وأيدته أفواههم. وأختتم مقالي اليوم بكلمات منتقاة للشاعر المرحوم/ عبدالله البردوني الذي استشرف واقع حال أولئك كما لو كان يحيا بين ظهرانينا ا?ن: شعاري اليوم يا مولاي نحن نبات إخصابك لأن غناك أركعنا على أقدام أحبابك فألّهناك قلنا: الشمس من أقباس أحسابك وبسم الله- جلّ الله- نحسو كأس أنخابك أمير النّفط نحن يداك نحن أحدّ أنيابك ونحن القادة العطشى إلى فضلات أكوابك ومسئولون في (صنعاء) وفرّاشون في بابك ومن دمنا على دمنا تموقع جيش إرهابك لقد جئنا نجرّ الشّعب في أعتاب أعتابك ونأتي كلّ ما تهوى نمسّح نعل حجابك ونستجديك ألقاباً نتوجها بألقابك فمرنا كيفما شاءت نوايا ليل سردابك نعم يا سيّد الأذناب إنّا خير أذنابك