يكرر إمام المسجد هذا الدعاء كل ليلة في صلاة التراويح ويبتهل به الخطيب كل أسبوع في خطبة الجمعة ويؤمّن الناس على هذا الدعاء ولا أحد يعرف من هُم المسلمون الذين ندعو لهم بالنصر وعلى من؟! هل مسلمو السُّنة أم مسلمو الشيعة؟! وإذا كانوا مسلمي السُّنة فأي طائفة منهم بالتحديد.. الوهابيون أم الليبراليون؟! الإخوان أم العلمانيون؟! داعش أم النصرة؟! أنصار الشريعة أم أنصار السنة؟! وإذا كانوا مسلمي الشيعة فأي طائفة منهم؟!... ومن العدو الذي يقاتلونه؟! المسلمون يقاتلون المسلمين، والذين ندعو لهم بالنصر في الشطر الأول من الدعاء هم الذين ندعو عليهم بالخذلان في الشطر الأخير، أما أن هناك معركة حقيقية يخوضها المسلمون دفاعاً عن النفس أو المال أو العرض أو الأرض أو المقدسات فهذا ما لم يشهده التاريخ منذ تحرير المسجد الأقصى من أيدي الصليبيين على يد صلاح الدين الأيوبي منذ مئات السنين. حتى تلك المعارك التي كنا نذرف دموعنا بعد أئمة الحرم وهم يدعون للمسلمين فيها بالنصر على الروس (الظالمين ) والصِّرب (الحاقدين) لم تكن سوى نسخة من المعارك التي تتزعمها اليوم جماعات التكفير والإرهاب. لم يعد الإسلام هو الإسلام ولا المسلمون هم المسلمون، وما يعيشه العالم الإسلامي اليوم برهان واضح على ما صار إليه المسلمون من جاهلية وشر، ومدى حاجتهم إلى إعادة النظر في أساليب فهمهم للدين وتصحيحها وفقا لما تقتضيه مصلحة الإنسانية كما هو الهدف الأساسي للشرائع. إن المشكلة التي أصبحت تهدد وجودنا كآدميين أولاً وكمسلمين ثانياً هي الفهم الخاطئ للدين والتعصب لهذا الفهم دون تمريره على مرشحات العقل ومقتضيات التشريع، كما أن إرجاع أسباب كل ما يحدث إلى الآخرين، وكأن الآخر ذو حياء وفضيلة سيعترف بأخطائه ويصححها؛ عقدة يجب علينا أن نتخلص منها. وسواء كان للآخر دور فيما يحدث الآن أم لم يكن فالآخر لم يكن ليجد الفرصة لولا التراخي من قبل المسلمين أنفسهم وانشغالهم بالهوامش على حساب المتون، كما أن الآخر لن يتورع عن تنفيذ مخططاته مادمنا لا نجيد سوى النواح والأنين. باختصار، علينا أن نكون جادين مع ما يحدث مبادرين لمواجهته كلٌّ بدوره وبداية بأنفسنا بأن نعود إلى المرجع الأساسي للإسلام فنعيد فهمه فهماً صحيحاً وفقاً لما أراده الله من مصلحة البشرية ثم بتفويت الفرصة على الانتهازيين سماسرة الإسلام السياسي بمواجهة التضليل بالحقيقة والزيف بالواقع. كما أن علينا أن نترك ردات الفعل المتطرفة تجاه هؤلاء الانتهازيين وبدل أن تقودنا حماقاتهم إلى أن نتحول إلى أعداء للدين فنعطيهم شرعية ذبحنا عند الجُهّال علينا أن نتحول إلى قادة لهؤلاء الجُهّال إلى الدين الصحيح، دين السلام.