من تابع تصريحات الرئيس اليمني السابق، علي عبدالله صالح، والتهديدات التي تضمنتها للمملكة العربية السعودية، زعيمة التحالف العربي الذي يقاتل من أجل استعادة "الحكومة الشرعية" في اليمن، يخرج بانطباع مفاده أن الرجل لا يتصرف كشخص محاصر أو مهزوم، مثلما يوحي بعض أعدائه، وإنما رجل يملك أسباب القوة ومستعد للقتال مهما طال زمن الحرب. الرئيس صالح الذي كان يتحدث عبر بيان أصدره بمناسبة الاحتفال بذكرى تأسيس حزب المؤتمر الذي يتزعمه، استخدم لهجة "صقورية" غير مسبوقة، منذ بداية الأزمة اليمنية، ووجَّه تهديدات للمملكة العربية السعودية "برد لا تعرفه"، وقال "سنوجه إليكم رداً لا تعرفونه، ولا يدركها، ولن يدركها خبراؤكم، ولا مراكز دراساتكم، ولا طائراتكم بدون طيار، ولا طائرات الايواكس". لا نعرف ماذا يقصد الرئيس صالح بهذا "الرد"، فنحن نعرف أنه لا يملك قنابل نووية في حوزته، ولكننا نستطيع أن نتكهن بأنه يملك أسلحة، وكذلك الحرس الجمهوري الذي ما زال موالياً له، أهمها صواريخ "سكود" بعيدة المدى، التي يمكن أن تصل إلى مدن سعودية كبيرة مثل خميس مشيط وأبها، ناهيك عن جازان ونجران الحدوديتين، مثلما يملك خبرة عسكرية متميزة، اكتسبها من ست حروب خاضها ضد التمرد الحوثي على نظامه، ومن حرب الانفصال عام 1994 التي خاضها ضد تحالف جنوبي دعمته المملكة العربية السعودية بقوة، مالياً وعسكرياً، وتمكن من الانتصار فيها. العميد أحمد عسيري المتحدث باسم "عاصفة الحزم"، أضاف ورقة أخرى قوية يستخدمها الرئيس صالح و"أنصار الله" الحوثيون، وهي ورقة تنظيمي "القاعدة" و"الدولة الإسلامية" من خلال إعطاء الفرصة لهما للتواجد في اليمن بهدف إسقاط الدولة، موحياً بذلك بوجود تحالف بين الرئيس اليمني السابق وهذه التنظيمات الجهادية، منفردة أو مجتمعة. ربما يملك العميد عسيري معلومات غير متوفرة لنا، أو لغيرنا، بحكم وجوده على رأس، أو من ضمن المجموعة المصغرة المشرفة على إدارة العمليات العسكرية لطائرات التحالف السعودي، ولكننا لا نعتقد أنه دقيق في الإيحاء بوجود هذا التحالف "الحوثي الصالحي"، بل ربما ما يحدث هو العكس تماماً. فإذا افترضنا أن الحوثيين شيعة ويدينون بالولاء لإيران، وهم كذلك، فمن الصعب أن يكونوا حلفاء لتنظيم "القاعدة" السلفي الأصولي، أو لتنظيم "الدولة الإسلامية" التي فجرت عناصره أكثر من مسجد لهم، أي للحوثيين، في صنعاء وغيرها. العميد عسيري، وهو الطيار، يدرك جيداً أن طائرات التحالف لم تطلق صاروخاً واحداً على تجمعات تنظيم "القاعدة" في شبوة أو حضرموت أو أبين، وهي التي قصفت، وما زالت تقصف، كل "نملة" تتحرك على ارض اليمن بكفاءة عالية. الرئيس صالح ربما يلجأ بمثل هذه التهديدات غير المسبوقة للسعودية إلى نوع من الحرب النفسية، وبهدف بث الرعب في قلوب خصومه، وهذا أمر مألوف في زمن الحروب، ولكن نتفق معه في العبارة الأهم التي وردت في بيانه، وهو أن "صُلح الشجعان" هو المخرج الوحيد من هذه الحرب المدمرة، ولكن هذا الصلح يبدو بعيداً إذا ما تأملنا النقاط الثماني التي حملها السيد إسماعيل ولد الشيخ أحمد من الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إلى ممثلي التحالف "الحوثي الصالحي" في مسقط، وهي نقاط تعجيزية تفرض عليهم الاستسلام الكامل المطلق المهين، ورفع الأعلام البيضاء دون أي مقابل. نقطة أخرى وردت في بيان الرئيس صالح لا نستطيع تجاهلها، أو المرور عليها مرور الكرام دون التوقف عندها، وهي التي قال فيها "إن الرد القادم على التحالف السعودي لن يدركه خبراء السعودية ولا مراكز دراساتها"، وربما كان مصيباً في هذه العبارة، فلو كان الخبراء على هذه الدرجة من الخِبرة لنصحوا قيادتهم بعدم الانزلاق إلى حرب استنزاف دموية في اليمن قد تطول لسنوات، اللهم إلا إذا كانوا فعلوا ذلك ولم يتم الأخذ برأيهم، وإذا لم يتم فعلاً الأخذ بنصيحتهم، فإن الأمانة العلمية والأخلاقية والوطنية تحتم عليهم مصارحة شعبهم والعالم بهذه الحقيقة بكل شجاعة ورجولة. "رأي اليوم".