ورحل هيكل إلى جوار ربه، وكان لابد أن يرحل ذات يوم، تلك مشيئة الحي القيوم في عباده جل وتبارك. ما يحزننا أنه كان بوسعنا أن نُكرمه حياً، وأن نكرم من خلاله بعض الأسماء العربية، ولقد كان بوسعنا أن نفعل، غير أننا أغفلنا الشأن وتجاهلنا دعوات البعض، وكاتب هذه الأسطر من هذا البعض الذي اقترح على الجهات المعنية في البلاد دعوة الراحل الكبير لزيارة اليمن، مصحوباً بمن يريد من الكتاب والمفكرين العرب الذين نهلوا من قيمه وصاغتهم أخلاقيات العظماء من الرجال. ولو أن أحدا في اللجنة العامة للمؤتمر مثلاً، أو المجلس السياسي لأنصار الله، تابع هذه المادة وقد نشرت منذ شهرين أو أكثر لما شقت علينا المسافة وباعد بيننا القرار، ولكان الراحل هيكل رحمه الله قد حل بيننا وحط باسمه وتاريخه، ومجده الإنساني رحله بين ظهرانينا، ولكان الرجل وهو من نعرف، قد عمل ما كان يتوقع منه غداة أن شاهد مظلومية هذه الأمة بأم عينيه، ولكن الله يفعل ما يقدر ويكتب، ونحن نقدر للطرفين حجم مسؤولياتهم وكثافة همومهم. رحل هيكل وهو الهامة التي ما انحنت، والتاريخ الذي لم يلطخ، والشرف الرفيع الذي سلم من الأذى، لأنه كان فوق مستوى المؤذي وأجل من خصومه رفعة ومهابة، هيكل بتاريخه ورصيده وثقافته العربية المتحررة وقيمه الإنسانية الرفيعة، كان أحد مصادر فخرنا وعزتنا، كان أمة متوحدة جوف أمة متفرقة مشتتة، هيكل أول من دعا العرب إلى إسناد سورية العربية كبلد مواجهة وتصدي للعدو المركزي للعرب والإنسانية جمعاء، وكان أول وآخر من دعا العرب لفتح صفحة جديدة مع إيران الجمهورية، قوامها الثقة والتعاون والمصالح الاقتصادية، بعيداً عن التسلية بالأوراق المذهبية وملفات التشيع والتسنن. وهيكل أول من حذَّر العرب من تجاهل جمهوريات ناشئة في إفريقيا، داعيا لفتح علاقات معهم قبل أن تسبقنا إليهم تل أبيب، وقد سبقت هذه الأخيرة وتأخرنا كالعادة، أنتم جميعاً تعرفون ما الذي قدمه عملاق الصحافة الدولية ومصدر فخرنا العربي، وحين ختم حياته مسكاً ورضواناً من الله مدافعاً عن اليمن وقضيته، ومتصدياً للعالم، الكبير منه قبل الصغير، إنما فعل ذلك عن يقين وقناعة، وضمير يقظ وحي،كيف لا وهو ثروتنا الحقيقية ونفطنا الإيجابي، رحمه الله حياً وميتاً وأكرم وفادته وقد رحل إلى جوار ربه نقياً كريماً صادقاً وباراً بأهله وأمته.