اليمن.. دخل في أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية منذ العام 2011، وقد استبشر اليمنيون خيراً في تدخل الأممالمتحدة لمساعدتهم في تجاوز هذه المحنة. لكن لسوء الحظ فإنه وبعد ما يقرب من خمس سنوات فإن معاناة اليمنيين كانت تزداد وباستمرار. ومما يقلق اليمنيين أنه في الوقت الحاضر لا يوجد أي أفق منظور لوقف تدهور الأوضاع. الأزمة اليمنية.. بعد أن كانت داخلية، تحولت إلى أزمة خارجية كذلك. ولقد كان من المتوقع لقرارات مجلس الأمن (2015 و2201 و2216)، ولجهود الأمانة العامة المتمثلة من خلال جهود مبعوثي الأممالمتحدة وممثليهم إلى اليمن؛ كل من جمال بن عمر وإسماعيل ولد الشيخ، أن تعمل على المحافظة على وحدة وسيادة واستقرار اليمن، وأن تساعده على الحفاظ على السلم الاجتماعي وتحقيق التنمية المستدامة. وعلى وجه الخصوص أن اليمن هو من أفقر دول العالم، لكن الحقائق على الأرض في الوقت الحاضر تشهد بغير ذلك. ونشير إلى أهم الحقائق المؤسفة: أولاً: كان لليمن في عام 2011 دولة وحكومة تقترب من حالة الفشل. لكن اليمن اليوم ليس لديه دولة على الإطلاق. فمن يسيطر على الأوضاع في الداخل لا يعترف به المجتمع الدولي. ومن يعترف به المجتمع الدولي لا يمارس أي دور على أرض الواقع. إن ذلك يعني، بكل وضوح، أن اليمن ليس لديه دولة. ولعلكم تدركون من خلال تجربتكم الكبيرة في هذا المجال ماذا يعني ذلك. ثانياً: لقد كان لليمن في عام 2011 جيش وأمن وقضاء وأجهزة حكومية مختلفة تقدم لليمنيين بعض الخدمات الضرورية، وإن كانت غير كافية، إلا أنها كانت تمكنهم من إدارة شؤونهم ولو بالحد الأدنى. أما اليوم فلا جيش ولا أمن ولا قضاء ولا تعليم ولا صحة ولا كهرباء ولا غير ذلك من الخدمات الضرورية للحياة. بل إنه يمكن القول بأن الحياة في اليمن أسوأ حتى من الحياة البدائية. ثالثاً: إن استيلاء حركة أنصار الله على الحكم بحجة فراغ السلطة ليس له شرعية. فقد كان عليها أن تسعى لإقامة انتخابات حرة ونزيهة. فميثاق الأممالمتحدة وقرارات مجلس الأمن وما تم التوافق عليه دولياً أنه لا يجوز الاستيلاء على السلطة من خلال القوة مهما كانت الأسباب. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنها لم تنجح في بسط سيطرتها على البلاد بكاملها. ولم تنجح في إدارة أجهزة الدولة كما يجب، ولو لفترة مؤقتة. فبعد مضي أكثر من عام على سيطرتها على العاصمة وبعض المحافظات، لم تعمل على إعادة عمل مؤسسات الدولة كما هو متعارف عليه. إنها في حقيقة الأمر تعمل من خلال ازدواج سلطتها الخاصة واستخدام سلطات الدولة كغطاء لسيطرتها الكاملة على السلطة. ومن ثمّ فإن على المجتمع الدولي فرض شرعية الانتخابات على حركة أنصار الله من خلال مطالبتها بذلك وعدم الاعتراف بأي سلطة واقعية تمارسها. رابعاً: لقد ساهمت الأممالمتحدة بإيصال الأوضاع في اليمن إلى هذا المستوى. فحق اليمن وفقاً لديباجة ميثاق الأممالمتحدة ومواده (1، 2، 3) وقرارات مجلس الأمن بخصوص اليمن، قد تم انتهاكه من قبل قوى في الداخل والخارج. وعلى الرغم من ذلك فإن الأممالمتحدة لم تظل متفرجة، بل على العكس قد ساهمت بذلك بشكل مباشر أو غير مباشر. فقد كان دعمها غير المشروط لهادي الذي لم ينتخب وفقاً للقواعد الديمقراطية مضراً بكل اليمنيين. والأكثر أهمية من ذلك أنها لم تراقب تصرفاته وفقاً للمشروعية الدولية التي منحت له. إنه لم يقم بتطبيق المبادرة الخليجية بحسن نية وتفانٍ. ويدل على ذلك مخالفته الصريحة لواجباته وفقاً لهذه المبادرة. ومن الواضح أنه قد استغل هذه المبادرة للسيطرة على السلطة لا من أجل تحقيق انتقال سلمي للسلطة كما نصت على ذلك المبادرة الخليجية نفسها. فلم يبذل أي جهد خلال السنتين المخولتين له في المبادرة لحكم اليمن بأي إجراءات تهيئ لانتخاب خلف له. لم يقتصر الأمر على ذلك، فمن يراجع المبادرة الخليجية يدرك بوضوح تلكؤ هادي في تطبيق الإجراءات المنصوص عليها بهدف تسريع الانتقال السلمي للسلطة. ولاشك أن ما كان يمنعه من ذلك هو مصلحته ورغبته في الاستئثار بالسلطة إلى أجل غير مسمى. بل إنه لم يعد مؤتمر الحوار الذي نصت عليه المبادرة الخليجية كما كان عليه أن يفعل وفق المبادرة. فعلى العكس من ذلك سعى بكل الطرق للسيطرة على مؤتمر الحوار ومخرجاته. ولعل تقارير مبعوث الأممالمتحدة تشهد بذلك. فالنتيجة الواضحة من مؤتمر الحوار كانت التمديد له إلى أجل غير مسمى، على الرغم من أن ذلك ليس في جدول أعمال مؤتمر الحوار ولا من صميم اختصاصاتهم. خامساً: وعلى الرغم من كل ذلك، فلم تقم الأممالمتحدة بتنبيهه إلى ضرورة التوقف عن السير في طريق الاستئثار بالسلطة. ولكن على العكس، فقد مهدت له الطريق إلى ذلك. فوفقاً لقرارات مجلس الأمن (2015، 2201، 2216) كان يجب معاقبة كل من يعرقل الانتقال السلمي للسلطة والتحول الديمقراطي كائناً من كان، سواءً أكان هادي أم غيره. لكن تقارير المبعوث الدولي والتي عكستها قرارات مجلس الأمن، كانت تدين كل من يخالف هادي وتتجاهل كل مخالفات هادي وفريقه. سادساً: لقد ترتب على هذا التساهل من قبل الأممالمتحدة ومجلس الأمن، أن وصلت الأمور إلى مرحلة السقوط الكامل للدولة. مما أغرى بعض القوى السياسية إلى استغلال هذا الفراغ للسيطرة على السلطة بطرق غير مشروعة، أي من خلال التقاسم بدلاً من المشاركة في الانتخابات. وعندما لم تنجح في تقاسم السلطة ترك البلاد بدون أي سلطة شرعية. وعلى الرغم من حدوث فراغ للسلطة، فلم تعمل الأممالمتحدة على ملء ذلك الفراغ. سابعاً : وعلى الرغم من أن هادي وحكومته قد فقدا السلطة وفقاً للشرعية الدستورية ووفقاً للممارسة الفعلية، إلا أن الأممالمتحدة ظلت تصر على أنه السلطة الشرعية، بينما لم تكن له شرعية قانونية: فأولاً، فمن الناحية الدستورية فقد خالف هادي كلاً من الدستور والمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار. وثانياً، لعجزهما -هادي وحكومته- عن ممارسة السلطة فعلياً، فقبل شن السعودية حربها الظالمة على اليمن، لم يكن هادي وحكومته قادرين على ممارسة السلطة. وكذلك فإن المؤسسات الدستورية، أي مجلس النواب لم يكن قادراً على ممارسة سلطاته. ثامناً : على الرغم من تورط القوى السياسية في إسقاط الدولة اليمنية من خلال مجاملتها وعدم وقوفها ضد السياسات الخاطئة لهادي، ومناوراتها في عدم الاتفاق على بديل يحفظ سيادة وأمن اليمن، فإن الأممالمتحدة مازالت تعتبرها القوى السياسية المخولة بإيجاد بديل يملأ فراغ السلطة. فبعض هذه القوى قد فشل في ذلك فعلياً وسلفاً، والبعض الآخر قام باستدعاء التدخل الخارجي وهو ليس مخولاً بذلك. والأكثر أهمية من هذا وذاك أن هذه القوى تشارك في حرب عملت على زيادة أوضاع اليمنيين سوءًا. إن إصرار الأممالمتحدة على ربط أي حل لمعاناة اليمنيين بالتفاوض بين هذه القوى يُعد، من وجهة نظري، تخلياً عن الشعب. فهذه القوى لم تعد قادرة على إدارة أمورها، وفي الوقت الحاضر لا تحظى بالتأييد الشعبي الكبير. ومن ثمّ فإنها لم تعد قادرة على التفاوض من أجل الاتفاق على مخارج للأزمات التي صنعتها. إن ذلك لن يؤدي إلا إلى تبرير العنف وإطالة فترة الفراغ السياسي والأمني في اليمن. مما يعني زيادة المعاناة لليمنيين. تاسعاً: لقد اتضح أن ما تم عمله من أجل حل الأزمة اليمنية، سواءً فيما يتعلق بالمبادرة الخليجية أو مخرجات الحوار أو اتفاقية السلم والشراكة، لم يكن مناسباً. ومهما كانت الأسباب فإنه لا ينبغي تجريب ما ثبت فشله، وإنما ينبغي البحث عن إجراءات جديدة تأخذ بعين الاعتبار الدروس من التجارب السابقة. إن ذلك يحتم على الأممالمتحدة تغييراً جذرياً في تعاملها مع أزمة اليمن، من خلال تغيير أجندة حوار القوى المشاركة فيه. إن إصرار الأممالمتحدة ممثلة بممثلها في اليمن على التفاوض -لحل الأزمة اليمنية- اعتماداً على الأدوات والقوى التي فشلت، هو في حقيقة الأمر إهدار للوقت وعمل سيؤدي، فقط، إلى تفاقم الأزمة إلى درجة يكون البحث عندها عن أدوات جديدة مكلفاً جداً. عاشراً : لا يمكن تطبيق قرارات مجلس الأمن، وخصوصاً القرار 2216، إلا إذا تم إيجاد سلطة جديدة يمكن أن تطبقه بحيادية. فما يطلق عليه بالشرعية لم تعد تمثل كل اليمنيين، وإنما أصبحت عدوة للبعض، على الأقل، ومن ثمّ فإنها لم تكن مقبولة ولا قادرة على تنفيذ ما أسند إليها من مهام في قرارات مجلس الأمن، والدليل على ذلك أنها غير قادرة على فعل أي شيء في المناطق التي تدعي أنها تسيطر عليها، فكيف سيكون حالها في تلك المناطق التي تقاتلها. إن ذلك يتطلب من الأممالمتحدة سحب غطاء الشرعية من قبلها للحكومة الحالية، وربط أي شرعية بإقامة انتخابات حرة ونزيهة. حادي عشر: يجب على الأممالمتحدة إعادة السيادة لليمن، فلم تعد اليمن دولة ذات سيادة وإن كانت لا تزال عضواً في الأممالمتحدة، فالانتقاص من سيادتها كان بفعل تخلي الأممالمتحدة والمجتمع الدولي عنها، فاليمن كعضو في الأممالمتحدة يتمتع بكامل المزايا التي تضمنتها ديباجة الميثاق والمادة الأولى والثانية فيه على الأقل. ثاني عشر: يجب على الأممالمتحدة أن توقف العدوان الخارجي على اليمن فوراً، وبدون أي شروط. لقد شنت السعودية وحلفاؤها حرباً غير مشروعة وغير مبررة على اليمن، ولذلك فقد خالفت السعودية وحلفاؤها ميثاق الأممالمتحدة نصاً وروحاً، وعلى وجه الخصوص المادة (51) والتي توجب على المجتمع الدولي والأممالمتحدة مساندة اليمن في ردع العدوان الذي شنته المملكة العربية السعودية وحلفاؤها، فاليمن لم يعتدِ على أحد، ولا يحق لأي دولة التدخل في الشؤون الداخلية لليمن وفقاً للمادة (2) الفقرة "7". فالأممالمتحدة ومجلس الأمن يملكان الصلاحيات الواضحة في هذا الخصوص، وفقاً لمواد الميثاق (33، 34، 35، 36، 37). إن تغطية المملكة العربية السعودية عدوانها على اليمن؛ بإقامتها تحالفاً ظالماً، أو من خلال مجلس التعاون الخليجي أو الجامعة العربية، هي تغطية مفضوحة. فقد كان على أي تحالف تقيمه أن يكون تحت مظلة الأممالمتحدة ومجلس الأمن. فقد نصت مواد الميثاق (52، 53، 54) صراحة على ذلك. لقد أثبتت الأحداث والحقائق التي تلت شن السعودية حربها على اليمن أن كل حججها كانت كاذبة ومتناقضة ومدبرة مسبقاً لتبرير اعتدائها على الشعب اليمني. فلم تحدد أهدافاً واضحة لتدخلها، ولم تتبع الوسائل التي حددها ميثاق الأممالمتحدة لمعالجة أي خلافات من هذا النوع بين الدول المستقلة. فلم يثبت أي تدخل لإيران في اليمن، والدليل على ذلك أن السعودية لم تقدم أي دليل واضح على ذلك، ولم تشكُ إيران، وبالتالي فإنها تتهم إيران وتعاقب اليمن، ولا شك أن ذلك ظلم فادح ضد الشعب اليمني. ثالث عشر: وحتى الآن فإن الأممالمتحدة ومجلس الأمن لم يكترثا بما يعانيه اليمنيون من التصرفات العدائية للسعودية: فمن ناحية لم يعمل المجلس على حماية اليمن باعتباره خاضعاً لقراراته، وفقاً للفصل السابع. وقد كان عليه أن يفوض السعودية ويضعها تحت رقابته، كما تنص على ذلك المادة (12) من ميثاق الأممالمتحدة. فإن كان للمملكة العربية السعودية أي مخاوف مما كان يجري في اليمن، فقد كان عليها وفقاً لهذه المادة أن ترجع إلى مجلس الأمن الذي اعتبر اليمن تحت نظره وفقاً للفصل السابع. تجاهل المملكة لذلك يعد تطاولاً على الأممالمتحدة ومجلس الأمن، وتصرفاً عدائياً على اليمن، قد فاق كل ما تسمح به مواد ميثاق الأممالمتحدة. رابع عشر: لقد فرضت السعودية وحلفاؤها عقوبات على كل اليمنيين، وليس فقط على أتباع الحوثي وصالح، فالقصف الجوي قد شمل كل اليمن، وقتل فيه المدنيون الذين لا ينتمون لا إلى الحركة الحوثية ولا إلى الرئيس السابق علي عبدالله صالح.. بل إنها قد فرضت حصاراً شديداً بهدف تجويع وقتل كل أبناء اليمن. فما تفرضه السعودية وحلفاؤها من عقوبات مترافقة مع أعمالها العسكرية قد فاق كل ما فرضه مجلس الأمن على كل من كوريا وإيران. في حين أن اليمن لم يرتكب أي جريمة أو مخالفة يستحق عليها ذلك. ومع هذا فإن الأممالمتحدة ومجلس الأمن يكتفيان ب"الانزعاج والمطالبة". لا شك أن ذلك يدل على علمهما بهذه الممارسات التي تتطلب التحقيق فيها، وبالتالي إيقافها وفرض العقوبة على السعودية وحلفائها. * أستاذ الاقتصاد جامعة صنعاء - وزير المالية الأسبق.