كانت لحضارة جنوب الجزيرة العربية صلاتها بالحضارة اليونانية خاصة فيما يتعلق بالتجارة والملاحة، وهذا ما يشير إلى أن تمثال الملك الحميري (ذمار علي) قد صنع في اليونان وأهديَ إليه لكسب ودّه وتمتين العلاقة، ومما يؤكد ذلك أن هذا التمثال –الذي استخرج من منطقة النخلة الحمراء في الحداء محافظة ذمار- عندما أرسل إلى ألمانيا لترميمه وُجد في تجويفه كتابة بالحروف اللاتينية. ليس هذا هو بيت القصيد، وما نريد الإشارة إليه هو أن اليونانيين عندما كانوا يقصدون اليمن الواقعة في بلاد العرب التي كانت محصورة على شبه الجزيرة العربية (اليمن، نجد، الحجاز، الأحساء، القطيف، عمان، ساحل عمان، دول الخليج العربية لاحقاً، وقطر) دلّتهم مشاهداتهم أن بلاد اليمن هي المساحة الخضراء الوحيدة في محيط صحراوي لا يعرف سوى نتف من الأعشاب والأشجار الصحراوية، ولهذا أطلق اليونانيون على اليمن تسمية العربية السعيدة، أو بلاد العرب السعيدة، كون أهلها لا يعرفون حياة البداوة المتنقلة والجفاف والتصحر، بل استقروا حول مزروعاتهم ووديانهم أو جنتي سبأ، كما وصفت في القرآن الكريم فأقاموا إحدى الحضارات القديمة المتعارف على تسميتها بحضارة جنوب الجزيرة. خطر ذلك في البال وأنا أستمع مساء يوم الحادي عشر من أكتوبر الجاري –ليلة يوم عاشوراء- إلى خطاب سيد المقاومة السيد حسن نصر الله وهو يتحدث عن مظلومية اليمن والعدوان عليه وصموده، ويصفه باليمن الشريف.. على التو -وقبل أن ينهي نصر الله كلمته- سألت نفسي لماذا اختار هذا النعت أو الوصف (الشريف) فكانت الإجابة تلقائية وتتلخص فيما يلي: إذا ما كان الشرف لغة هو العلو السمو، والشريف هو عزيز النفس من يأنف الدنايا.. إلخ.. فإن فيلسفوف الشعراء يقول: لا يسلم الشرف الرفيع من الأذىحتى يراق على جوانبه الدمُ وفي هذا ما يدل على أن الشرف الرفيع لليمن العريق، لن يسلم من أذى وحقد وأطماع العدو التاريخي لليمن –مملكة بني سعود- وأنه بحاجة إلى كل هذه التضحيات والدماء، بل وما هو أكثر مما بذلناه بسخاء المدافع عن شرفه وسيادته على أرضه واستقلال قراره النابع من إرادته ومصلحته.. اليمن الشريف يذود عن شرفه رفضاً للهيمنة السعودية التي نالت من حريته وتنميته وخير أبنائه، وألحقت به من الأذى ما لا يخفى على ذي بصيرة ولا يحتاج إلى شرح أو تذكير، بل وجعلته محل سخرية خارجية وداخلية معاً.. وما أكثر الشواهد على ذلك.. ومنها أنه لا يوجد يمني فوق سن السابعة يجهل قصيدة (الغزو من الداخل) للشاعر الخالد عبدالله البردوني عام 1974م وما جاء فيها مثل (ونحن القادة العطشى .. إلى فضلات أكوابك) و(مسئولون في صنعاء.. وفراشون في بابك) ولعل من قرأ مقالا كتبته قبل فترة يذكر حكايتي مع الشاعر الفلسطيني الكبير أحمد دحبور عندما زار صنعاء عام 1978 -كما أعتقد- ومقطوعته الشعرية التي منها: آمنت باليمن السعيد وليس باليمن السعودي ليس هناك عاقل لا يعرف أن السعودية –وحلفها اللعين- اعتدت على اليمن وتدمره وترتكب فيه جرائم الحرب، ليس من أجل شرعية رئيس انتهت ولايته، ولا من أجل حماية نفسها من خطر إيراني كما تزعم، ولكن من أجل أن تبقى على هيمنتها ووصايتها عليه، وأن يظل حديقتها الخلفية.. ولكن هيهات.. إنه اليمن من عرف بالأمس السعيد يعرف اليوم بالشريف.