رسميا .. ريال مدريد بطلا لليغا الاسبانية    تكريم مشروع مسام في مقر الأمم المتحدة بجنيف    17 مليون شخص يواجهون حالة انعدام الأمن الغذائي باليمن.. النقد الدولي يحذر من آثار الهجمات البحرية    الرسائل السياسية والعسكرية التي وجهها الزُبيدي في ذكرى إعلان عدن التاريخي    الدوري الايطالي: مونزا يفرض التعادل على لاتسيو    تدشين أسبوع المرور العربي في عدد من المحافظات    يا أبناء عدن: احمدوا الله على انقطاع الكهرباء فهي ضارة وملعونة و"بنت" كلب    الديوان الملكي السعودي يعلن موعد ومكان الصلاة على الأمير الشاعر "بدر بن عبدالمحسن"    الرئيس الزبيدي: نلتزم بالتفاوض لحل قضية الجنوب ولا نغفل خيارات أخرى    آرسنال يفوز على بورنموث.. ويتمسك بصدارة البريميرليج    الحوثيون يستعدون لحرب طويلة الأمد ببنية عسكرية تحت الأرض    الثلاثاء القادم في مصر مؤسسة تكوين تستضيف الروائيين (المقري ونصر الله)    #سقطرى ليست طبيعة خلابة وطيور نادرة.. بل 200 ألف كيلومتر حقول نفط    مكتب الأوقاف بمأرب يكرم 51 حافظاً وحافظة للقران من المجازين بالسند    من يسمع ليس كمن يرى مميز    معاداة للإنسانية !    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و654 منذ 7 أكتوبر    نقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين تصدر بيانا مهما في اليوم العالمي لحرية الصحافة (3 مايو)    الحرب القادمة في اليمن    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    من هي المصرية "نعمت شفيق" التي أشعلت انتفاضة الغضب في 67 بجامعة أمريكية؟    أول مسؤول جنوبي يضحي بمنصبه مقابل مصلحة مواطنيه    بدء دورة للمدربين في لعبة كرة السلة بوادي وصحراء حضرموت    أبطال المغرب يعلنون التحدي: ألقاب بطولة المقاتلين المحترفين لنا    الرئيس العليمي يوجه بالتدخل العاجل للتخفيف من آثار المتغير المناخي في المهرة    خبير اقتصادي بارز يطالب الحكومة الشرعية " بإعادة النظر في هذا القرار !    منظمة: الصحافة باليمن تمر بمرحلة حرجة والصحفيون يعملون في ظروف بالغة الخطورة    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    وفاة فتاة وأمها وإصابة فتيات أخرى في حادث مروري بشع في صنعاء    اسقاط اسماء الطلاب الأوائل باختبار القبول في كلية الطب بجامعة صنعاء لصالح ابناء السلالة (أسماء)    مارب تغرق في ظلام دامس.. ومصدر يكشف السبب    ماذا يجرى داخل المراكز الصيفية الحوثية الطائفية - المغلقة ؟ الممولة بالمليارات (الحلقة الأولى)    الحوثيون يعتقلون فنان شعبي وأعضاء فرقته في عمران بتهمة تجريم الغناء    المخا الشرعية تُكرم عمّال النظافة بشرف و وإب الحوثية تُهينهم بفعل صادم!    تن هاغ يعترف بمحاولةا التعاقد مع هاري كاين    معركة مع النيران: إخماد حريق ضخم في قاعة افراح بمدينة عدن    أفضل 15 صيغة للصلاة على النبي لزيادة الرزق وقضاء الحاجة.. اغتنمها الآن    الهلال السعودي يهزم التعاون ويقترب من ملامسة لقب الدوري    اخر تطورات الانقلاب المزعوم الذي كاد يحدث في صنعاء (صدمة)    تتقدمهم قيادات الحزب.. حشود غفيرة تشيع جثمان أمين إصلاح وادي حضرموت باشغيوان    بالفيديو.. داعية مصري : الحجامة تخريف وليست سنة نبوية    الوزير البكري يعزي الاعلامي الكبير رائد عابد في وفاة والده    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    أيهما أفضل: يوم الجمعة الصلاة على النبي أم قيام الليل؟    طقم ليفربول الجديد لموسم 2024-2025.. محمد صلاح باق مع النادي    لماذا يُدمّر الحوثيون المقابر الأثرية في إب؟    بعد إثارة الجدل.. بالفيديو: داعية يرد على عالم الآثار زاهي حواس بشأن عدم وجود دليل لوجود الأنبياء في مصر    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    الارياني: مليشيا الحوثي استغلت أحداث غزه لصرف الأنظار عن نهبها للإيرادات والمرتبات    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الصين تجدد دعمها للشرعية ومساندة الجهود الأممية والإقليمية لإنهاء الحرب في اليمن    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    الخميني والتصوف    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لغة العرب الأصلية في الشعراليمني القديم
هذا هو تاريخ اليمن ( الإرهاص )
نشر في الجمهورية يوم 26 - 12 - 2006


- د. عبد الله علي الكميم
ولمزيد من البرهنة على شاعرية اليمانيين «عصر ما قبل الإسلام» نسوق هنا ترجمة لكوكبة أخرى من أولئك النجباء الذين عاشوا عصر ما قبل الإسلام بزمن طويل وبعضهم بالقرب من انبلاج شفقه وبعضهم ممن عاشوا الفترتين فتخضرموا ولاشك أنهم قد قالوا شعرهم وصاغوا خطاباتهم وحكمهم وأمثالهم باللغة الفصحاء أو (المتينة) هذه التي نتكلمها اليوم لأنها كانت ولا تزال لغتهم كما أثبتنا ونثبت هذا لاحقاً أما كتاباتهم فقد كانت بالمسند والجزم معاً إلا أنهم تفردوا بالمسند كميزة لهم.
ويكفي أن نشير هنا إلى أن كتاب الإنجيل قد كتب بخط الجزم هذا في اليمن عام 520م قبل مولد الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخمسين عاماً كما أوحت رسائل بعض نصارى نجران إلى إخوان لهم من الغساسنة. على أني أؤُكد هنا أن هؤلاء المترجم لهم هنا ما هم إلا قطرة من مطرة إذا ما نسبوا إلى شعراء وخطباء وحكماء اليمن في العهود القديمة. لإقناع من لم يقتنع بعد.
أما في رثاء رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد قال حسان من ضمن ما قال:
ما بال عينك لا تنام كأنما
كحلت مآقيها بكحل الأرمد
جزعاً على المهدي أصبح ثاوياً
يا خير من وطئ الحصى لا تبعد
وجهي يقيك الترب لهفي ليتني
غُيبتُ قبلك في بقيع الغرقد
بأبي وأمي من شهدت وفاته
في يوم الإثنين النبي المهتدي
فظللت بعد وفاته متبلداً
متلدداً يا ليتني لم أولد
أأقيم بعدك بالمدينة بينهم
يا ليتني صبحت سم الأسود
أو حل أمر الله فينا عاجلاً
في روحة من يومنا أو في غد
فتقوم ساعتنا فنلقى طيباً
مخضاً ضرائبه كريم المحتد
يا بكر آمنة المبارك بكرها
ولدته محصنة بسعد الأسعد
يا رب فاجمعنا معاً ونبينا
في جنة تثني عيون الحسد
في جنة الفردوس فاكتبها لنا
يا ذا الجلال وذا العلا والسؤدد
يا ويح أنصار النبي ورهطه
بعد المُغَيَّيب في سواء الملحد
ضاقت بالأنصار البلاد فأصبحت
سوداً وجوههم كلون الإثمد
وفي الحكم والمواعظ قال حسان بن ثابت (رضي الله عنه):
إعرض عن العوراء إن أسمعتها
واقعد كأنك غافل لا تسمع
ودع السؤال عن الأمور وبحثها
فلرب حافر حفرة هو يصرع
والزم مجالسة الكرام وفعلهم
وإذا اتبعت فأبصرن من تتبع
لا تتبعن غواية لصبابة
إن الغواية كل شر تجمع
والقوم إن نزروا فزد في نزرهم
لا تقعدن خلالهم تتسمع
والشرب لا تدمن وخذ معروفه
تصبح صحيح الرأس لا يتصدع
واكدح بنفسك لا تكلف غيرها
فبدينها تجزى وعنها تدفع
والموت أعداء النفوس ولا أرى
منه لذي هرب نجاة تنفع
22- المستوغر الأكبر
هو المستوغر بن ربيعة بن كعب بن سعد؛ سمي المستوغر، لقوله في فرس: ينش الماء في الربلات منها
نشيش الرضف في اللبن الوغير
وهو قديم ومن المعمرين إذ عاش ثلاثمائة سنة وعشرين سنة، وعبر عن ذلك بقوله:
ولقد سئمت من الحياة وطولها
وعمرت من عدد السنين مئينا
مائة حدتها بعدها مائتان لي
وازددت من عدد الشهور سنينا
هل ما بقي إلا كما قد فاتنا يوم يمر وليلة تحدونا
هل ترقب الأرواح إلا ساعة
تلقى سقاماً عندها ومنونا
فانظر لما قدمت سوف تزوره
حتماً وتمسي عنده مرهونا
حدثني سهل قال: حدثني الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء وابن العجاج أن المستوغر مر مرة بعكاظ يقود ابن ابنه خرفاً فقال له رجل: يا عبد الله إحسن إليه فطالما أحسن إليك قال: أو تدري من هو قال: نعم هو أبوك أو جدك.
قال: هو والله ابن ابني. قال الرجل: لم أر كاليوم في الكذب ولا المستوغر بن ربيعة قال: فأنا المستوغر بن ربيعة. قال: وقال أبو عمرو بن العلاء: عاش المستوغر ثلاثمائة سنة وعشرين سنة.
تكلم المستوغر بمناسبة اجتماع أشراف العرب، حين قتل بنو أسد ابني أبي ذؤيب فقال: أيها الأجلاء من أنصف من نفسه، حمد عاقبة أمره، ومن لم ينصف من نفسه ضلت حكمته، ومن مارس الأمور حكمته، ومن جارى الأخطاب أفنته، ومن قامر الدهور قمرته.
رأتني الأيام من حيث لا أراها، ذهب الطرب وبقي الجرب، لابد من دعوة الداعي وإجابة المجيب. أيها الأملاء: ما رغبة امرئ القيس في العيش إذ ليس بد من الموت، وهو يرى موقف المظلوم من الظالم! أبت الأحساب الزكية والمناقب السنية من الأمور الدنية. أما أنه على كل امرئ منكم رقيب يأمره وينهاه، فإن من لا يرضى الظلم عدو للظالمين، ومن والى الخالق نبذ المخلوقين، ومن عرف الحق جهل الباطل، هذا أبو ذؤيب بعد العز الرفيع، والعدد الجميع، والشرف المنيع، تناولته الأيدي بالظلم، وقد اضطر من ظلم إلى مانع عدل. حكم فليس لكم قول صادق يرضي الخالق دون إيضاح العذر، فقد أرسلكم إليه ووجه الأمر بالمقدرة دون المعذرة ومن حذر مائقاً فذاك مائق، وأنشأ يقول:
وما كل ذي لب يعاش بعقله
ولكن إذا قاد الأمور حكيمها
برأي ذوي الألباب في الأمر يهتدي
هل يدم الآراء إلا عليمها
وقد يتقي المظلوم من ذي ظلامة
بعير همام أو يطاع ظلومها
وما سقطت يوماً من الناس أمة
إلى الذل إلا أن يسود ذميمها
فعندك عن هذا وذاك وما هما
فهذا له حظ وذاك سقيمها
وما قادها للخير إلا مُجرب
عليم بإقبال الأمور كريمها
إذا ساد فيها بعد ذل لئيمها
تصدى له ذل وقد أديمها
أيها الأملاء: من أبصر أمر، ومن جهل أقصر ألا وإن، لكل حيلة عيلة، ولكل ساقطة لاقطة، ولكل عوراء واع، افعلوا الخير وقولوه، ودعوا الشر واهجروه، انبذوا الخبيث وانصروا المظلوم المستغيث، من استنصر بكم فانصروه ومن بغى عليكم فانذروه، ومن اعتذر إليكم فاعذروه.
23- المرأة العادية
قال صاحب التيجان: ولما نزلت أزد شنوءة السراة، وجدوا بها امرأة من قوم (عاد) بن قحطان، فقالت لهم: إني بقية من قوم عاد، وأنا أعلم بالبلاد منكم، فاحملوني على بعير، وسيروا بي أخبركم عن الأرضين. فحملوها على بعير. فلم يستقل (يطيق) بها قالوا لها: ما نجد بعيراً يحملك! فقالت: هل من ناقة هبراء؟ فحملوها عليها فسارت بهم حتى أتت أرضاً فقالت: هذه طرب، حجرها ضر، وجبلها وعر،يلقى الراعي بها شر. ثم خرجت بهم حتى أتت كراء، فقالت: هذا كراء مرملة قاتلة للنساء، ثم سارت إلى بيشة فقالت: منزلة خربة، آمنة مانعة، فنزلت الأزد بهذه المنازل كلها.
فقال لها رجل يومئذ أي القسي خير؟ قالت: أما السدرة فإنها مذرة هذرة، ولكن عليك بالنبع فإنه أصلب عند تقارب النزع، وإياك والشريان، فإنها قسي الصبيان، ثم ساروا عنها وتركوها بالوادي.
تعليق على ما سبق:
نأمل أن نكون قد أتينا بدليل قاطع من التاريخ - وإن كان طه حسين لا يعترف به وإنما يشك في أن اليمن كانت في عصر ما قبل الإسلام تضج بالشعراء والمفكرين والعلماء والحكماء ...إلخ. وما هؤلاء كما قلت إلا نموذجاً من جيش عرمرم كانوا قد تركوا أفكارهم وآدابهم وعلومهم وخلاصة تجاربهم في سجلات مكتوبة بخط المسند وبالجزم أيضاً في مواد كثيرة من مواد حفظ ذلك التراث الضخم الذي بدأ يتكشف لنا بعد أن ضاق ذرعاً بالإختفاء والقادم أعظم. وما ترنيمة الشمس إلا أول الغيث.
ولأن طه حسين مجازف في أقواله، ويلقي الكلام عن عواهنه فإنه ينفي نفياً قاطعاً أن يكون لليمن في الإسلام شاعر فحل، قال: (وليس لها في الإسلام شاعر فحل، وإنما شعراء اليمانية في الإسلام مخترعون اختراعاً دون أن يكون لهم وجود تاريخي صحيح، كوضاح اليمن. أو هم ضعاف متأخرون في الطبقة، وإنا نريد العصر الأموي وصدر الإسلام، وأما في العصر العباسي فقد أصبح الشعر شائعاً بين العرب من أهل الشمال والجنوب والموالي أنفسهم، فلا ينبغي إذن أن يعتد بالطائيين ولا بالسيد الحميري. فهؤلاء كانوا كأبي نواس وابن الرومي والمتنبي الذي لم يكونوا من العرب في شيء. قد قالوا الشعر عن تعلم وصناعة. وقالوه في غير لغتهم الطبيعية، أو قل إنهم قالوه في هذه اللغة التي أصبحت بحكم الدين والسياسة لغة الأدب. ويصر على حماقته بالقول: ليس لليمن في الجاهلية شعراء، وحظها من الشعر في الإسلام قليل ضئيل، وذلك ملائم لطبيعة الأشياء، فلم تكن اللغة العربية لغة اليمن في الجاهلية. فلما جاء الإسلام أخذ بعض اليمنيين يتعلم العربية، ويتكلف الشعر فيها، فكان حظهم في هذا كحظ الموالي من الفرس، الذين تعلموا العربية وتكلفوا الشعر فيها، لأسباب سياسية وعصبية .... وكان شعراء اليمن في الإسلام كشعراء الموالي قليلين ضعافاً، متأخرين في الطبقة، متصلين بالأحزاب والعصبيات. ولعل أظهر هؤلاء الشعراء أعشى همدان، وقد كان شاعر اليمانية وشاعر عبد الرحمن بن الأشعث خاصة، وقد قتله الحجاج) ص191. ويبدو أن اليمن كانت كابوسه المدمر، إذ لا يتوانى أو يمل كثرة تكرار نفي الشعر والشعراء عنها حيث قال: على حين لم يكن الشعر طبيعياً ولا أصيلاً في اليمن ولا في ربيعة قال: فتفاوت حظ اليمنيين والربعييين من الشعر حين تعلموا العربية القرشية بتفاوت قربهم من أهلها واستعدادهم لإقتانها، وحظهم من الفن الأدبي) ص192. ولكن لم يقل لنا كيف وأين تعلموا لغة قريش؟ !!
وهو حينما يقارن بين شعراء اليمن وغيرها فإنما من أجل تحقير شعر اليمن والحط من شعرائها، مثل قوله: أما ربيعة فحظها من الشعر والشعراء في الجاهلية أقل من حظ المضريين ولكنه أكثر من حظ اليمن. فإذا جاء الإسلام فحظ ربيعة من الشعر دون حظ مضر، وفوق حظ اليمن دائماً. ثم لربيعة شعراء آخرون، ولكنهم قليلون ضعاف، متأخرون في الطبقة كشعراء اليمن) ص191. وهو في ظل أوهامه لا يكتفي بإخراج اليمن من عروبيتها بل يضم إليها ربيعة رغم أنها عدنانية كما يقول. ويحاول المقارنة بينهما في شأن التقبل للتعريب بعد الإسلام، فيقول: (فلما كان الإسلام كان استعرابها (يعني ربيعة) أيسر وأسرع من استعراب اليمن ومن استعراب الموالي ) ص192. ويبدو أن اليمن كانت كابوسه المدمر، إذ لا يتوانى أو يمل كثرة تكرار نفي الشعر والشعراء عنها حيث قال: (على حين لم يكن الشعر طبيعياً ولا أصيلاً في اليمن ولا في ربيعة فتفاوت حظ اليمنيين والريعيين من الشعر حين تعلموا العربية القرشية بتفاوت قربهم من أهلها واستعدادهم لإتقانها، وحظهم من الفن الأدبي ) ص192. ولكنه لم يقل لنا كيف وأين تعلموا لغة قريش؟!! وهو لا يفهم كما أنه لا يريد أي كلام إيجابي عن عروبية اليمن وشعرها وشعرائها حتى ولو أجمع الأولون والآخرون على ذلك، فإجماعهم لا يعنيه. وما دمنا بصدد الشعر في اليمن، وإثبات أنه كان موجوداً ومكتوباً ومتداولاً، شأنه شأن الكلام المنثور من خطابة وتاريخ وقصص وحكم وأمثال وسير، وعلوم مختلفة، منها الحساب والفلك والجغرافيا، وعلم التعدين، وذلك من أيام نوح وعاد من بعده، واستمر كل هذا إلى عهد الإسلام. وكان الخط المسند هو الخط المتداول والمعروف في أنحاء الجزيرة العربية وما حولها، سجل به الشعر كما سجلت به الفنون الأخرى، فإنا نورد هنا باكورة اكتشاف أول قصيدة بالمسند، على أن المستقبل كفيل باكتشاف آلاف القصائد المكتوبة بالمسند، مستقبلاً. ولا ننسى أن نذكر هنا بأن مكتبة المأمون كانت تضم كتباً مكتوبة بالخط المسند، كما أن مكتبة المناذرة التي وجدت تحت القصر الأبيض في عهد معاوية كانت تضم الكثير من هذه الكتب. ولو كان طه حسين قد علم بهذا مع أنه مسجل في كتب التراث القديمة - لكنه لم يطلع عليها- لكان قد غير رأيه أو توارى خجلاً على الأقل!! إنني أقدم تلك الدرة الغالية التي اكتشفها الباحث الدكتور يوسف محمد عبد الله وسماها (ترنيمة الشمس).
الفصل الثاني الشعر العربي اليمني بخط المسند قصيدة ترنيمة الشمس هذه باكورة اكتشافات كنوز الشعر اليمني المكتوب بخط المسند، اكتشفها الباحث اليمني عالم الآثار الدكتور يوسف محمد عبد الله وقال عن هذا الاكتشاف: (هذه الدراسة لنص منقوش على صخرة عثرت عليها لأول مرة في إحدى رحلاتي الأثرية عام 1977م.
في وادي قانية بناحية السوادية محافظة البيضاء، ويشاء الله أن يكون هذا النص اكتشافاً عجيباً لم يعثر على شيء مثله حتى الآن في بلاد اليمن كلها.
نص النقش بحروف العربية الحديثة أو اللغة المتينة، وهو خط الجزم الذي نكتب به الآن. والذي تطور من خط المسند الجليل.
مع بيان معانيها (المتينة). وقد لفتت انتباهي تلك العبارة التي ظهرت على الغلاف الأول وما بعده ونصها: (اكتشف النقش ونقله إلى العربية ... إلخ.
وهذا كلام خطير، سيما وهو يأتي من الرجل الأول المعني بتاريخ اليمن من الناحية الأكاديمية محلياً وعربياً وعلى المستوى الدولي، إذ أن العبارة توحي بأن النقش غير عربي، وكأنه جاء من اللغة الصينية أو الروسية أو اللاتينية أو السريانية، في حين أنه عربي دماً ولحماً مائة في المائة. وكان الأوفق بالدكتور يوسف أن يشير إلى أنه كتب باللغة العربية القديمة، وأنه فسر معانيه باللغة العربية الحديثة أو المتينة، المنبثقة أصلاً من هذه القديمة والمتطورة عنها؛ إلا أننا للأسف الشديد نجد لأبي عمر بن العلاء وابن سلام الجمحي وغيرهما من الأقدمين مروراً بطه حسين وغيره من المحدثين أثراً في اليمن، حيث نجد من يسلم بأن اللغة اليمنية القديمة ليست عربية!!!
وأنها بحاجة إلى ترجمة ونقلها إلى العربية، ولا أدري ما يسميها هؤلاء إذا لم تكن عربية؛ لأن اللغات القديمة قد عرفت بأسمائها، فما اسم لغة النقوش اليمنية إذن إذا لم تكن عربية؟!! أما نحن فإننا لا نعرف إلا أنها عربية، وأنها أم اللغات السامية جميعها. وسنبرهن على هذا لاحقاً كما بيننا ذلك قبلاً. ونكتفي بقول الرسول الأعظم: ((حمير رأس العرب ونابها، ومَذْحِج هامتها، والأزد كاهلها وجمجمتها)). نص القصيدة المسندية(ترنيمة الشمس)
نشترن/خير/كمهذ/هقحك
بصيد/خنون/مأت/نسحك
وقرنو/شعب/ذقسد/قسحك
ولب/علهن/ذيحر/فقحك
وعيلت/أأدب/صلع/فذحك
وعين/مشقر/هنجر/وصحك
ومن ضرم/وندأ/هسلحك
ومهسع/يخن/أحجي/كشحك
ولب/علهن/ذيحر/فقحك
وعيلت/أأدب/صلع/فذحك
ومن ضرم/وندأ/هسلحك
ومهسع/يخن/أحجي/كشحك
ونوي/تفض/ذكن/ربحك
وصرف/الغذ/دأم/ذو ضحك
وجهنللت/هنصنق/فتحك
وذي/تصخب/هعسمك/برحك
وين/مزر/كن/كشقحك
ورسل/لثم/ورم/فسحك
وسن/صحح/دأم/هصححك
وكل/يرس/عرب/فشحك
وكل/أخوت/ذقسد/هبصحك
ولليت/شظم/دأم/تصبحك
وكل/عدو/عبرن/نوحك
وكل/هنحظي/أملك/ربحك
وأك/ذتعكد/أرأ/كفقحك
ومن/شعيب/عرأن/هلجحك
وجب/يذكر/كلن/ميحك
حمدن/خير/عسيك/توحك
هنشمك/هندأم/وأك/صلحك هردأكن/شمس/وأك/تضحك
تبهل/عد/أيسي/مشحك
أما نقل المعنى، كما قال الدكتور يوسف، وهذا هو الأوفق من عبارة الغلاف المستقرة (اكتشف النقش ونقله إلى العربية!!). معنى النص:
نستجبرك باخير فكل ما يحدث هو مما صنعت بموسم صيد خنوان مائة أضحية سفحت
ورأس قبيلة (ذي قسد) رفعت
وصدر علهان ذي يحير شرحت
والفقراء في المآدب خبزاً أطعمت
والعين من أعلى الوادي أجريت وفي الحرب والشدة قويت ومن يحكم بالباطل محقت وغدير (تفيض) لما نقص زيدت ولبان (إلعز) دائماً ما بيضت وسحرَ اللات إن اشتد ظلامه بلجت ومن يجأر ذاكراً نعمك رزقت والكرم صار خمراً لما أن سطعت وللإبل المراعي الوافرة وسعت والشرع القويم صحيحاً أبقيت وكل من يحفظ العهد أسعدت
وكل أحلاف ذي قسد أبرمت والليالي الغُدْر بالإصباح جليت وكل من اعتدى علينا أهلكت وكل من يطلب الحظ مالاً كسبت سورضي من تعثر حظه بما قسمت وفي (الشعيب) الخصب أزجيت وبئر (يذكر) حتى الجمام ملأت الحمد يا خير على نعمائك التي قدرت وعدك الذي وعدت به أصلحت أعنتنا يا شمس إن أنت أمطرت نتضرع إليك فحتى بالناس ضحيت وقد قدم لها الشاعر العربي الكبير (سليمان العيسى) فقال: حين كانت أوروبا كلها تقريباً تغط في ظلام دامس وجهل مطبق، قبل حوالي عشرين قرناً من الزمن. كان شاعرنا اليمني في تلك الفترة بالذات ينقش على الصخر إحدى قصائده الرائعة التي أعطاها مكتشفها عالم الآثار اليمني الدكتور يوسف محمد عبد الله عنوان (ترنيمة الشمس) وأقطف هذا النص من دراسته: (هذه الدراسة لنص منقوش على صخرة عثرت عليه لأول مرة في إحدى رحلاتي الأثرية عام 1977م، في وادي (قانية). بناحية السوادية (محافظة البيضاء)، وإن شاء الله أن يكون هذا النص اكتشافاً عجيباً لم يعثر على شيء مثله حتى الآن في بلاد اليمن كله.
ويضيف الأستاذ العيسى قائلاً: ويشاء حسن الحظ أن أكون في صنعاء في تلك الفترة، وأن أزور المعرض التاريخي الخصب الزاخر بالكنوز، وأقف عند النقش المثير، أتأمل صورته بحروف المسند، وأقرأ ترجمته إلى لغة الضاد، وأشعر أني أمام قصيدة ترن قوافيها في سمعي قادمة من أعماق التاريخ، إنه التاريخ المتصل إذاً لا غرابة فيه ولا انقطاع، وها هو جدي وجد امرئ القيس والمهلهل والنابغة وحسان بن ثابت يتلو قصيدته الرائعة، مخترقاً جدار الزمن وصمت القرون، ويقول لي: ابحثوا عنا، اتعبونا قليلاً، نقبوا في الأودية، والرمال، والصخور، وسوف تجدوننا شعراً وفناً وأدباً وحكمة، وقصوراً ومعابد، وحضارة كانت ملء عين الدنيا وسمعها ذات يوم.. ولابد إذا ما صحوتم من نومكم، ونفضتم عنكم غبار القرون، أن تعود.. وأن تعودوا أنتم معها إلى مسرح الحياة.
ويضيف: وتلمع في رأسي فكرة:
لم لا أحوّل أنا بدوري هذا النص الرائع القديم إلى قصيدة جديدة، وأثبت المبنى والمعنى الحرفي، كما نقله الأخ الدكتور يوسف: ترنيمة الشمس. إلى اليمن المهد الزاخر بالأسرار
والتاريخ العظيم سليمان العيسى.
لك المجد.. يا من تُفيض الضياء على أرضنا الخصبة الطاهره
ويا منبع الخير لا ينتهي ويا ربة الحكمة القادره
لك المجد يا من بها نستجير نرد غوائلنا القاهره
ومن بيديها خيوط المصير فإن أومأت دارت الدائره لك المجد .. أنتِ التي تصنعين لنا كل شيء.. غلا أو زهد عطاياك أكثر مما نَعُد ومنك الشقاءُ ومنكِ الرغد دماء الأضاحي ندى راحتيك بخنوان ما شئت كان العدد ويخضر موسمنا في يديك ويشمخ حتى السماء ذو قسد وعلهان رأس يحيرُ العظيم يمد إليك يداً ضارعه على وجهه بسمات الرضا وفي قلبه فرحة يانعه
ويلتف حول قراك العفاة ويشبع أفواهها الجائعه
وفجرت من عاليات الصخور عيوناً لنا عذبة رائعه تشدين عزمتنا في الحروب وتحميننا في عُبُوس الزمن ومن جار في حكمه أو بغى نَزلتِ عليه نزول المحن وعلمته كيف تُرعى الحقول وكيف يُصَانُ ويعلو الوطن وحتى غدير يفيض الجميل نزيد ين في مائة إن وهن لك المجد: بيضت كل اللبان إلعَز شق الظلام السحر على (اللات) أغرقت بالنعميات
لساناً دعاك وقلباً شكر وتزهو العناقيد في كرمنا
إذا ما سطعت ويحلو الثمر وتسْرحُ أنعامُنا في الحقول جنان كما شئت مد البصر لك المجد شرع الإله القويم تمدين سلطانه بيننا وتنعم بالعدل في ظله ويهدي بأنواره خطونا ومن حفِظَ العهد أسعدتِه ونال جزاء الذي أحسنا وذو قسدٍ صنْت أحلافه فصار الأعز بها الأمكنا ويا مصدر الضوء للكائنات أنخشى الليالي التي تظلم وأنت تطلين من جوفها صباحاً به أبداً ننعم؟ وويل لمن جاءنا عاديا فإن عقابك لا يرحم ومن طلب الحظ أسعفته فلا هو يشكو .. ولا يحرم ويرضى الجميع بما تقسمين ويقنع من حظه عاثر ألم تنثري الخصب في أرضنا فوادي الشعيب جنىً ناضر؟ وآبار يذْكُر حتى الجمام ملأت.. فها ماؤنا وافر لك الحمد .. كل لسان هنا لنعماء ربته شاكر وعدت فلم تخلفي مرة بوعد ووفيت كل الذمم سلام عليك إذا أمطرت يداك وهلت علينا النعم سلام عليك .. فأنت المُعين وأنت التي تفرجين الغُمم نفدِّي عُلاكِ بأرواحنا خذي بعضها أنتِ أم الكرم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.