تصريح محافظ عدن أنه سيتم محاكمة قادة الإصلاح كمسئولين عن مواجهات عدن الأخيرة، وفرار القادة العسكريين الموالين لهادي إلى الرياض ونهب معسكراتهم، لا يمثل فقط إعلان انتصار للإمارات ومليشيات الحراك الموالية لها في معركة السيطرة على عدن التي استمرت لما يزيد عن عام ونصف العام، وهزيمة هادي والقوى الموالية للمملكة التي تسانده، وإنما يشكل جزءاً من ترتيبات فصل الشمال عن الجنوب من دولة أو دولتين وإخراج أنصار الدولة الاتحادية من الإخوان والشماليين أنصار شرعية هادي إلى مناطق التماس لتدار بهم معارك مذهبية شمالية - شمالية تعيق أي تقدم من الشمال صوب الجنوب وتخفف الضغط على جنوب المملكة، وهو ما يبدو من صمت المملكة إزاء ما يحدث أنها اقتنعت به أو رضخت له بعد تنامي المواجهات على حدودها الجنوبية ويأسها من دخول صنعاء والسيطرة على المناطق الشمالية. تبعاً لهذا السيناريو فإن عملية الرمح الذهبي -التي يشكل الموالون للمملكة ومرتزقتها الأجانب غالبية قواتها البرية- قد لا تهدف بدرجة رئيسية للسيطرة على السهل التهامي وإنما لإيجاد أكبر مساحة ممكنة لدولة الفصل الملتهب بين الشمال والجنوب، والتي ستشكل فيها تعز ومأرب مركز الثقل، وسيكون الإخوان والمليشيات الإرهابية والسلفية الجهادية وقود معاركها الدائمة مع الشمال. صحيح أن الانفصال لم يكن ضمن قائمة الأهداف المعلنة لتحالف العدوان، ربما لأن سقف طموح المملكة حينها عالياً لدرجة الثقة بالسيطرة على اليمن كلها بإعادة القوى الموالية لها إلى كرسي الحكم والقضاء على صالح والحوثي نهائياً في معركة خاطفة، لكن فشلها في تحقيق ذلك يجعل هدفها الرئيس اليوم هو محاولة تقسيم اليمن إلى جنوب وشرق خاضع لسيطرتها، وشمال تشغله الحروب الأهلية عن تهديد حدود المملكة، ولسوء حظ المملكة فإن أغلب القوى الموالية لها برئاسة هادي منبوذة في الجنوب والإبقاء على قواتهم هناك يعني استمرار الصراع، ولهذا يجب إضعافهم هناك لصالح مليشيات الحراك الموالية للإمارات، وإخراجهم إلى مناطق الحد لتدار بهم الحرب على الشمال التي ستؤمن تأثيث البيت الجنوبي كمستعمرة أو مستعمرين خليجيين، وسواء اختارت المملكة أو كرهت، وبغض النظر عما إذا كان بتخطيط مسبق أو تدحرجت الأمور، فإن معركة هادي الخاسرة في عدن سبقها ترتيبات أبرزها: 1- تشتيت القوات الموالية له من مليشيات الإخوان على جبهات الشمال ونقلت ألوية الحماية التابعة له إلى الحدود الجنوبية للمملكة. 2- اغتيال القوات الأمريكية للذهب وتهييج التنظيمات الإرهابية ضده كخائن لهم، ولم تفلح محاولات بن مبارك والتسريبات الإعلامية لخبر احتجاج هادي على العملية الأمريكية في رأب الصدع، ولم يكن لمقاتليهم حضور في معركة هادي والإمارات. 3- استقطاب السلفيين الجهاديين إلى صف القوى الموالية للإمارات، وإذا كان من المصادفة أن ينفجر الوضع في تعز بين مليشيات أبو العباس والإخوان، فليس من المصادفة أن يظهر بن بريك في طائرة إماراتية كانت تقصف قوات هادي في الليلة السابقة. 4- اعتماد عملية الرمح الذهبي بقيادة الإمارات بدرجة رئيسية إن لم تكن غالبية قواتها من القوى الموالية للمملكة ومرتزقتها السودانيين. لم يعد هادي من الرياض ومقابلة السفير الأمريكي بشيء يمنحه كرئيس سلطة إقالة مسئول أمني في عدن، وإنما بالصمت والنظر البائس إلى خارطة الانفصال المقدمة من حليف المملكة العطاس والرد عليها من مرتزقة الإمارات وترتيبات مستقبل جنوب لا مكان له فيه ولا لأنصاره من الإخوان ومحسن والتنظيمات الإرهابية، ويعدون ليوم قريب يذهب فيه للقبر أو إلى شقة في جدة وسيأتي هذا اليوم قريباً، لأنه هو الجزء السهل في مشروع ترحيل الصراع السعودي الإماراتي على الجنوب، أما فصل الشمال وتقسيم اليمن فإنه حتى الآن يبقى كدخول صنعاء، مجرد هدف للعدوان في هذه المرحلة لا أكثر.